عنوان الفتوى : الدعوة في العصر الحاضر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمقام الدعوة إلى الله مقام عظيم، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108}، فهو سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى يوم الدين، ومن سلك ذلك السبيل سيلقى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ {البقرة:214}.
فالدعوة تاج ووسام شرف لا يناله إلا من بذل له وضحى في سبيله، والداعية اليوم تقف في وجهه عوائق كثيرة لا يمكن استقصاؤها في مقام الفتوى، ولكن من أهمها بعد الناس عند الدين وإعراضهم عن تعلمه وتكالب الأمم وتداعيها على هذه الأمة ترميها عن قوس واحدة حتى أصبح المسلم العادي قد يتوارى حياء من نظرة الناس إليه وسهامهم نحوه هذا مع كثرة الملهيات مما جادت به المدنية الحديثة، فأصبحت تلك الملهيات في كل مكان ببيتك وشارعك بل وحتى مسجدك الذي تصلي فيه، وقد تهافت الناس عليها تهافت الفراش في النار، وغالب البشر -إلا من رحم الله تعالى- أغواهم إبليس بتلك الملهيات وصدهم عن الحق.
والداعية في مواجهة مع إبليس وجنده يبني ما هدمه ويصلح ما أفسده، فيعالج تلك العوائق وغيرها بحكمة كالطبيب الماهر الذي يعطي لكل داء دواءه ويصف طرق استعماله كي يجدي لأن الزيادة منه قد تكون سما قاتلا والنقص منه قد يحبط مفعوله ويضعف أثره، ومما لا بد للداعية منه في مواجهة ما ذكرنا أن يستفيد من الوسائل الحديثة فهي سلاح ذو حدين تستخدم في الخير وتستعمل في الشر، وإن كان الغالب هو استخدامها في الأخير لإعراض كثير من الدعاة عن توظيفها في مجال الدعوة ووقوفهم منها موقفاً سلبياً، فعلى الداعية أن يستغل تلك المنحة الإلهية التي سخرها له ويسعى ليتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم على يديه: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل. أخرجه أحمد في المسند وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
والدعوة لا تؤتي ثمارها إلا إذا كان الداعية عارفاً بأحوال الناس خبيراً بما يدور في مجتمعه، لأن الدواء يُحدد بناءً على معرفة الداء. هذه بعض العوائق وتلك بعض الطرق لمعالجتها وللاستزادة راجع الفتوى رقم: 28171، والفتوى رقم: 18254.
وما أحيل إليه من فتاوى خلالهما، ونعتذر إليك عن إيفاء المسألة حقها لأنها تحتاج إلى بحث كامل، وهذا الموقع مشغول بالفتاوى الفقهية والنوازل التي تعرض للمسلم في دينه ودنياه، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه ويسدد على درب الخير خطانا، إنه سميع مجيب.
والله أعلم.