عنوان الفتوى : سبب رفع ( الصابئون ) في آية سورة المائدة
أريد أن أعرف لماذا جاءت "الصَّابِئِينَ" منصوبه فى سوره الحج الآيه 17 ثم جاءت مرفوعة "الصَّابِئُونَ"فى سوره المائده الآيه 69 مع ملاحظة تماثل الآيات حتى كلمة النصارى بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }الحج17 بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }المائدة69 و جزاكم الله خيرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف النحاة في سبب رفع ( الصابئون ) في آية سورة المائدة ، والراحج من أقوالهم أنها مرفوعة على الابتداء، وذلك أن العرب إذا أتوا بكلام مؤكد بحرف إن وأتوا باسم إن وخبرها وأرادوا أن يعطفوا على اسمها معطوفاً هو غريب في ذلك الحكم جيء بالمعطوف الغريب مرفوعاً ليدلوا بذلك على أنهم أرادوا عطف الجمل لا عطف المفردات ، ولما كان الصابئون أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى في حال الجاهلية قبل مجيء الإسلام ، لأنهم التزموا عبادة الكواكب ، وكانوا مع ذلك ممن تحق لهم النجاة إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً ، كان الإتيان بلفظهم مرفوعاً تنبيها على ذلك .
قال الألوسي في روح المعاني : ورفع ( الصابئون ) على الابتداء وخبره محذوف لدلالة خبر إن عليه والنية فيه والتأخير عما في خبر إن. والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك بناء على أن المحذوف في إن زيداً وعمرو قائم خبر الثاني لا الأول كما هو مذهب بعض النحاة. انتهى
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير : وجمهور المفسرين جعلوا قوله ( والصابئون ) مبتدأ وقدروا له خبر محذوفاً لدلالة خبر إن عليه ، وأن أصل النظم : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى لهم أجرهم إلخ ، والصابئون كذلك ، جعلوه كقول ضابي بن الحارث : فإني وقبار بها لغريب ، وبعض المفسرين قدروا تقادير أخرى أنهاها الألوسي إلى خمسة .
والذي سلكناه أوضح وأجرى على أسلوب النظم وأليق بمعنى هذه الآية. وبعد فمما يجب أن يوقن به إن هذا اللفظ كذلك نزل ، وكذلك نطق به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تلقاه المسلمون منه وقرؤوه ، وكتب في المصاحف ، وهم عرب خلص ، فكان لنا أصلاً نتعرف منه أسلوباً من أساليب استعمال العرب في العطف وإن كان استعمالاً غير شائع لكنه من الفصاحة والإيجاز بمكان ، وذلك أن من الشائع في الكلام أنه إذا أتى بكلام مؤكد بحرف إن وأتى باسم إن وخبرها وأريد أن يعطفوا على اسمها معطوفاً هو غريب في ذلك الحكم جيء بالمعطوف الغريب مرفوعاً ليدلوا بذلك على أنهم أرادوا عطف الجمل لا عطف المفردات ، فيقدر السامع خبراً يقدره بحسب سياق الكلام ، ومن ذلك قوله تعالى : أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ {التوبة: 3 } أي ورسوله كذلك ، فإن براءته منهم في حال كونه من ذي نسبهم وصهرهم أمر كالغريب ليظهر منه أن آصرة الدين أعظم من جميع تلك الأواصر ، وكذلك هذا المعطوف هنا لما كان الصابئون أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى في حال الجاهلية قبل مجيء الإسلام ، لأنهم التزموا عبادة الكواكب ، وكانوا مع ذلك تحق لهم النجاة إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً ، كان الإتيان بلفظهم مرفوعاً تنبيها على ذلك. انتهى
وقد جاء ذكر الصابئين في سورة الحج مقدماً على النصارى ومنصوباً وذلك لأن الحكم على الصابئين هنا يساوي الحكم على غيرهم ، فالأمر يتصل هنا بفصل القضاء والحكم بين الناس بالحق ، وهذا يستوي فيه الجميع ، فلا حاجة حينئذ لرفعه لعدم اختلافه في الحكم كما في سورة المائدة ، فحصل هنا مقتضى حال واحدة وهو المبادرة بتعجيل الإعلام بشمول فصل القضاء بينهم، وأنهم أمام عدل الله يساوون غيرهم.
هذا ولك أن تراجع شراح ألفية ابن مالك عند قوله في باب( إن وأخواتها )
وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إنَّ بعد أن تستكملا
وألحقت بإن لكن وأن من دون ليت ولعل وكأن .
والله أعلم .