عنوان الفتوى : وفاء الدين إذا تغيرت قيمته النقدية
بسم الله الرحمن الرحيم سيدي الشيخ أثابكم الله أكرمكم الله وجعلكم دوما نبراسا نستنير به . أيها الشيخ الجليل أرجو أن يتسع صدركم لطول رسالتي وما أطلت إلا قصورا مني حتى يتضح لكم سؤالي: ثمة رجل استدان من رجل بفرنسا مبلغا ماليا قدره (600) ست مائة دينار تونسي في عام 1968 ثم توفي قبل أن يسدد هذا الدين و قد ظهر في سنة 2005 من يطالب بهذا الدين : 1 ) هل يعاد لهم دينهم (600) ست مائة دينار كما أخذ أم ما يعادل قيمته الشرائية في ذلك الزمان لأنهم يطالبون بذلك و مصرون على الفارق الزماني و يريدون استرداده بالأورو أو الدولار. 2 ) سيدي الشيخ في أثناء كتابتي لهذه الرسالة استمعت شيخا يجيب على مسألة مشابهة لهذه هو أن الأصل في المسألة يعود المبلغ كما هو (600) ست مائة دينار ولكن إن بعد الزمن وتغيرت عملة البلد يسأل عن ثمن الغرام من الذهب في ذالك الزمان و لنفرض أن بستمائة دينار نستطيع شراء (500) غرام من الذهب ثم ننظر كم ثمن (500) غرام ذهب في هذا الزمان فلنقل تساوي (1000) ألف دينار ونعطيه حقه .فما هو رأي الشرع في هذه الإجابة مع كل احترامي لشيخنا و لكن ليطمئن قلبي .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن ثبت في ذمته دين من نقد ثم تغيرت قيمته النقدية غلاء أو رخصا قبل أن يؤديه فقد اختلف أهل العلم فيما يلزمه أداؤه على أقوال:
الأول: قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله والشافعية والحنابلة والمالكية في المشهور عنهم أن الواجب أداء نفس النقد المحدد في العقد والثابت في الذمة دون زيادة أو نقصان.
الثاني: قول أبي يوسف من الحنفية وعليه الفتوى عند الحنفية وهو أنه يجب على المدين أن يؤدي قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة من نقد رائج، وهذا القول يوافق ما ذكره السائل من حساب ما يقابل الدين من الدولار أو الأورو وقت ثبوت الدين في الذمة ويتم قضاء الدين على قيمتها.
الثالث: قول الرهوني من المالكية وهو أنه إذا كان التغير فاحشا وجب أداء قيمة النقد الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص، أما إذا لم يكن فاحشا فالمثل.
وعلى القولين الثاني والثالث: فالواجب على أخينا السائل رد قيمة المبلغ يوم العقد وهو ما أشار هو إليه في السؤال من الدولار أو الأورو أو أية عملة أخرى.
وعلى القول الأول: لا يلزمه إلا رد المبلغ الذي أخذه وإن انخفضت قيمته.
ويحسن أن نذكر الأخ السائل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خياركم أحسنكم قضاء. رواه البخاري ومسلم
وإننا لنوصي كلا من المقرض وورثة المقترض بتقوى الله تعالى والعمل على مرضاته فنقول:
عليك أيها المقرض أن تحتسب الأجر عند الله تعالى ولا تأس على ما نقصت به قيمة المبلغ في الظاهر، رجاء أن يكون مضاعفا لك عند الله تعالى مدخرا لك عنده ليوم أنت أحوج إليه فيه من الآن وتكون قد وافقت قول جماهير العلماء وذلك أحوط لدينك وأبعد عن الشبهات.
ويجمل بكم يا ورثة المقترض أن تحسنوا القضاء وأن تكونوا سمحاء فيه مكافأة منكم لجميل صنع المقرض، وتعرضا لرحمة الله تعالى في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم واقتداء به صلى الله عليه وسلم في فعله.
ففي صحيح مسلم وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا (بعيرا صغير السن) فجاءته إبل من إبل الصدقة فأمر ابا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء.
ويكون قضاؤك بهذا موافقا لقول من ذكرنا ممن يوجب الوفاء بالقيمة عند كساد العملة كسادا فاحشا وهذا هو الأحوط بالنسبة لك، والقاعدة أن الخروج من الخلاف مستحب بفعل ما اختلف في وجوبه وترك ما اختلف في تحريمه.
علما بأن الراجح عندنا في المسألة هو قول الجمهور الذين يرون أن وفاء الديون بالمثل لا بالقيمة مادامت العملة التي تم اقتراضها لا تزال سارية ولم تلغها الدولة وذلك هو الموافق لتعريف القرض وهو عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله.
كما أنه أدعى لاستقرار المعاملات وسيرها على نسق واحد دون خلل أو اضطراب.
وراجع الفتاوى التالية: 44523، 20224، 36171، 51362.
والله أعلم.