عنوان الفتوى : مسائل في وصية المريض مرضا مخوفا والتصرف في ماله
سؤالي فضيلة الشيخ هو: والدتي أطال الله في عمرها مريضة بمرض الزهايمر وهو ضمور في خلايا المخ وهي طريحة الفراش في المستشفى منذ سنين وعمرها حوالي 65 سنة ورثت من أخيها رحمه الله حوالي 20 مليون، هذا المال تعامل فيه المرحوم مع بنوك ربوية ومع أصدقائه منذ أكثر من 25 سنة ويأخذ عليها أرباحا وأمواله معظمها ودائع والآن منذ سنتين تقريبا حولها إلى بنوك إسلامية ورأس المال كان عن طريق التجارة الحلال ومبلغ تعويض من الحكومة عن منزله القديم ومنزله الذي كان يسكنه أسأل الله أن يتوب عليه ويرضى عنه ويغفر له ذنوبه ويعفو عنه، مرض رحمه الله العام الماضي وقام أخي باستخراج تقرير من المستشفى وأخذه للمحكمة وأصدروا له وكالة يحق له فيها التصرف في كل شؤونه وخالي رحمه الله كان في وعيه وذهب للبنك مع صديقه لاسترجاع ماله لأنه لم يرض عن تصرف أخي فاعتذروا له وطلبوا منه تقريرا آخر وورقة أخرى من المحكمة فلم يمهله المرض وتوفي رحمه الله وأصبحت والدتي هي الوريثة الوحيدة له وجاءني أخي يقول لي بأن هذه الأموال سنقوم ببناء عمارة بها فقلت له كيف نرثها وهي على قيد الحياة أطال الله في عمرها وحرام علينا مجرد التفكير بذلك وبعد وفاة خالي رحمه الله بشهرين وثلاثة أسابيع توفي أخي رحمة الله عليه وغفر له وفي نفس أسبوع وفاته أنا وقعت على ورقة وكنت في حالة حزن ولم أعرف محتواها لأنني لا يغريني المال جاءني أخي من والدي وهو أخ لزوجة أخي من والدتها وابنا أخي ووالدتهم في منزلهم ومعهم وكالة من القاضي مفادها أنني أنا القيم على والدتي ووقع عليها أخي من والدي في المحكمة مع أبناء أخي دون علمي وكان الغرض من ذلك أن أقوم بإعطاء المحامي وكالة للمطالبة بأموال خالي رحمه الله من أصدقائه لأكمل ما قام به أخي من قبل لكي لا تعرض زوجة أخي أولادها لشيء ولا تريد أن تدخل أولادها في مشاكل مع الناس وتريد أن يأتيها المال جاهزا حتى لو كان حراما عن طريقي، ويقولون لي إن والدتي ستحاسبني أمام الله بأنني لم أطالب بحقوقها وهم لا يزورونها أبدا وأنا اعترضت على ذلك فقام أخي من والدي بالاتصال بالمحامي وأحضر منه ورقة لكي أوقعها فقمت أنا بالاتصال بالمحامي وطلبت منه تأجيل المسألة وأنا في نيتي أن لا أطالب بها نهائيا لأن والدتي في غنى عنها لأن بها ربا ثم طلبوا مني أن أحضر لهم كشف حساب من البنك وقلت لهم هذا المال يجب أن نخبر الشرع عنه وهم يأخذون الإجراء اللازم ورأي المشايخ حتى لو لم يبق منه درهم المهم أن نتخلص منه أو أن نأخذ منه الحلال ورأس المال ونقوم ببناء وقف فيه لوالدتي وخالي رحمه الله عسى ان يخفف الله عنه به كونه صدقة جارية ولم يقبلوا فكرتي وقالوا لي لا تستطيعين أن تخرجي منه درهما واحدا وإذا كنت تريدين فعل الخير فافعليه من مالك بعد وفاة والدتك وليس الآن لأنك لا تملكين حرية التصرف والوكالة بيدنا وميراث أخي رحمه الله لم يعطوا منه والدتي شيئا سوى من راتب التقاعد وكان لوالدتي مالا من إيجار بيوتها منذ ثماني سنوات وكان أخي رحمه الله يعطيني منه الشيء اليسير في السنة ويضع الباقي في البنك في حسابها ويشتري به الأسهم وأنا كنت أصرف منه عليها وأتصدق عنها وأضعه في فعل الخير على حسب ما يعطيني ولم يقم رحمه الله بفعل أي شيء عنها وسحب من مالها واشترى أسهما وكتبها باسمه وأنا عندي الدليل في ورقة كشف الحساب وباسم الشركة وأيضا أسهم في جمعية تعاونية وطلبت منهم أن يبيعوها لإبراء ذمته فرفضوا أريد أن أفعل الخير لوالدتي قبل أن تموت لأنهم لن يرحموها ولن يفكروا فيها ولا يزورونها أبدا وليس لها أحد في هذه الدنيا إلا أنا من بعد الله سبحانه وتعالى، وهل الشرع يعطيني الحق في أن أتصرف في مالها بعد تنقيته لصالحها في أعمال الخير، هم يقولون أن المال ما دام انتقل لوالدتي فليس عليها ذنب وهذا حلال والذنب يقع على خالي غفر الله له والمال لم يزكه خالي رحمه الله طوال حياته فماذا أفعل هل نتخلص من المال كله أو يجوز إخراج الزكاة منه بالتقدير من المال الحلال الذي فيه، وهم الآن يريدون أن تكون الوكالة في يد الابن الأكبر هل يجيز لهم الشرع ذلك، والدتي كانت تقول لي قبل مرضها لو كان عندها المال لفعلت به الخير لها ولأهلها رحمهم الله، فهل هذه تعتبر وصية وخالي كذلك كان يريد أن يكتب لي بيته ولم يمهله المرض وهناك شهود على ذلك لأنه إذا أصبح لي ممكن أبيعه أو أجعله وقفا عنه أريد أن أساعده وكنت أقول له إنك أخطأت كثيرا في حق نفسك ولم ينفعك مالك الآن تب إلى الله واعمل الخير من مالك الحلال، فقال لي أنا لن أعود لفعل ذلك أبداً ولو يرجع أخوك مالي لي لفعلت به مساجد عني وعن أهلي، فهل هذه وصية، أفيدوني وأعينوني.. جزاكم الله كل الخير، أنا آسفة لإرسال الرسالة مرة أخرى لأني تذكرت أشياء لم أذكرها في الرساله الأولى واختصرت فيها لأنها تجاوزت عدد الحروف المطلوبة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يحق لكم التصرف في مال والدتكم المريضة إلا بما فيه مصلحته وتنميته بطرق الحلال وإخراج زكاته كلما حال الحول، ولا يجوز لكم أن تعملوا منه أعمالاً خيرية إلا إذا كان معها عقلها وأمرتكم بذلك فعليكم أن تنفذوه في حدود الثلث فهو الذي يحق للمريض مرضاً مخوفاً أن يتصرف فيه من ماله بدون عوض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم. رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما،
وأما مجرد قولها قبل مرضها لو كان عندي المال لفعلت به الخير فلا يعتبر وصية، وكذلك ما كان يقول لك خالك لا يعتبر وصية يجب تنفيذها إلا إذا قامت بينة شرعية على الوصية غير ما ذكرت.
ولكن نرجو أن ينالهما أجر من نوى الخير أو عزم على فعله، فقد روى الترمذي وغيره وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر -أو كلمة نحوها- وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء. فهذا الحديث يدل على أن الأجر والوزر يثبتان للعبد بنيتهما وعقد العزم على فعلهما، ولذا نرجو أن يكون أمك وخالك صادقين فيما قالا، فيثبت لهما الأجر، وإن كان عزمهما على فعل الخير لم ينفذ لعدم توفر الإثبات الشرعي لإرادتهما.
والواجب عليكم أن تحتفظوا بمال والدتكم جميعاً بما في ذلك ما تشكون في إباحته فإذا فاقت أصبحت هي المسؤولة عنه، وعليها أن تخرج منه الفوائد الربوية لتتخلص من حرمتها بصرفها في مصالح المسلمين العامة، وإذا توفاها الله تعالى فإن عليكم أن تتخلصوا من المال الحرام وأن تؤدوا عنها الحقوق من دين وحج وزكاة.... قبل قسم ما بقي بعد الحقوق على الورثة.
ونقول للسائلة الكريمة -جزاها الله خيراً عن والدتها وعن خالها- بأن عليها أن تستعين بالمحكمة الشرعية في هذا الأمر فهذا من أهم اختصاصاتها ولا يكلفها القيام بالواجب شيئاً مما سيرفع عنك الحرج ويجنبك المشاكل، نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 51030، 61026 وما أحيل إليه فيهما.
والله أعلم.