عنوان الفتوى : حكم التصرف بمال فاقد الذاكرة لمصلحته
خالي يبلغ من العمر ستين سنة تقريبا أصيب بجلطة في الدماغ أفقدته ذاكرته أسال الله أن يشفيه وهو لم يتزوج وليس لديه في هذه الدنيا غيري أنا وأخي المتزوج ووالدتنا وهي طريحة الفراش أسال الله لها طول العمر، ويعيش في منزله مع خادم يعمل لديه، ولكن بعد أن مرض أدخلناه المستشفى رغما عنه وهو الآن ومنذ أسبوعين يريد الرجوع إلى منزله وهو منذ عشرين سنة تقريبا وضع ماله الحلال الذي اكتسبه من التجارة في يد أصدقائه ومعارفه ويأخذ عليها فوائد وكم نصحناه ولكن دون فائدة وبعض منهم اخذوا أمواله وهي مبالغ كبيره عرفناها من خلال الشيكات والآن أخي أخذ هذه الشيكات ليعطيها للمحامي لكي يطالب باسترجاع هذه المبالغ، وأخذ تقرير من الطبيب المعالج لكي يعرف أملاك خالي ويوقف التعامل مع أي شخص ممكن أن يسحب من أمواله لأنه لم يجد معه دفتر الشيكات وممكن يكون أحد أمضاه على شيء لا نعرفه نحن في فترة مرضه ويريد أن يستأجر لخالي شقة مع الخادم ونزوره من فتره لأخرى، ويأتي له بالطعام من المطعم وأنا معترضة على تصرفه لأن خالي مريض وممكن أن يؤذي نفسه ويريد عناية مني أنا وليس من الغريب وأريد لنا خادمة أو اثنتان لكي أستطيع أن أراعيه وأطعمه، وكل هذا من ماله من إيجار منزله ولديه مبلغ كبير من مال حلال وهو تعويض من الحكومة عن منزله القديم، وهذا من حقه وأنا لا أفكر في ماله ومنزله بقدر ما أريد له العيش الكريم في آخر عمره وأريد أن نأخذ من أمواله ونضعها في شيء ينفعه في آخرته وعن والديه رحمهم الله لأنه لم يفعل شيئا عن نفسه ولا عن أهله أبدا ولم يحج عنه وعنهم ولم يزك ولم يرحم نفسه وعندما كنت أقول له أن الدنيا فانية ولن ينفعنا فيها إلا العمل الصالح كان يقول لي إن شاء الله سأترك الربا وافعل كل شيء فيه الخير عني وعن والدي إلى أن فقد ذاكرته أسال الله العلي العظيم أن تعود له ذاكرته و يتوب لله ويرحمه ويرحمنا أجمعين وسؤالي فضيلة الشيخ كيف نتصرف في هذه الحالة كيف لنا أن نعرف ماله الحلال الذي أبتدأ به التجارة وماذا نفعل بباقي المال الذي تعامل به بالربا والأموال التي في الشيكات بها ربا كذلك فكيف نعرف قدر المبلغ الحلال وكذلك لديه ودائع وهل من حق أخي أن يسحب من ماله ويستثمره أنا أرى أنه ليس لدينا الحق في درهم من ماله إلا لمصلحته وأقول لأخي لو نتركها معهم ونريح أنفسنا وننفعه بماله الحلال كله هذا أفضل لنا وله.. أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن تعاطي الربا منكر شنيع، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة:278]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا... الحديث أخرجه الشيخان.
ومن المنكرات كذلك عدم إخراج الزكاة، وعدم الحج للمستطيع، وعدم الاكتراث بالأحكام الشرعية، ونرجو الله أن يعيد إلى خالكم ذاكرته ويشفيه من المرض حتى يتوب من كل هذه الآثام.
وفيما يتعلق بالتصرف في ماله.. فإن الذي يجوز لكم منه هو الإنفاق عليه ومداواته لا غير ذلك، ويجوز له هو إذا رجع إليه وعيه مع استمرار المرض أن يتصرف فيما كان بمعاوضة مالية، وأن يتصدق أو يوصي بما لا يزيد على ثلث ماله، قال الشيخ محمد عليش في منح الجليل: والحجر على المريض في غير مؤنته أي المريض وغير تداويه أي المريض، فلا يحجر عليه فيهما، إذ بهما قوام بدنه، وفي غير معاوضة مالية فلا يحجر عليه في المعاوضة المالية كبيع وشراء.... بغير محاباة زائدة على الثلث.
فلا يجوز -إذاً- أن تتصرفوا في ماله إلا بما ذكر لأن المال بعد موته سينتقل الحق فيه إلى الورثة.
وتمييز ماله الحلال عن ماله الحرام مع الكيفية التي ذكرت أمر صعب جداً ويحتاج إلى أهل الخبرة وإلى معاينة الأمور، ولا بد فيه من استخدام طرق معقدة من الحساب.
فالصواب أن يترك المال إلى أن يتضح أمره هو، فإن شفاه الله قام بنفسه بذلك باستجلاب أهل الخبرة وتحرير المدد والنسب، وما كان من ذلك حاصلا من الربا وما لم يكن، إلى أن يصفي المباح منه فينتفع به كيف أراد.
وما كان حاصلاً من الربا فواجبه أن يصرفه في المصالح العامة للمسلمين بنية التخلص منه لا بنية الصدقة، وأما إن كانت الثانية وانتقل المال إلى الورثة فالذي يبت فيه حينئذ هي المحاكم الشرعية، وسيكون لها من وسائل البحث والتحري في المسألة ما يمكنها من إيصال كل حق إلى صاحبه وإجلاء الأمور.
فعلى أخيك -إذاً- أن لا يتصرف في المال إلا باستيفاء ما كان من نحو دين أو استرجاع شيء ضائع وما أشبهه مع التوثيق لكل ذلك والإشهاد عليه، وقبل القيام بأية خطوة في الموضوع.
فعليكم أن تخبروا المحكمة الشرعية حتى تشرف هي بنفسها على ما فيه، أو تعين له قيماً مشرفاً على ذلك.
ولا بأس بالفكرة التي أشرت إليها أنت في علاج ورعاية خالك، ولكن لا تفعلوا شيئاً من ذلك إلا بأمر من المحكمة الشرعية.
والله أعلم.