عنوان الفتوى : إذا بنى أحد الورثة في العقار الموروث بإذن أو بغير إذن
أرجو منكم إفادتي في هذا الموضوع: ورثة ورثوا عن أبيهم منزلا بطابقين تم بيعه بمبلغ سبعة وثلاثين ألف دينار بموافقة وكيل عن الورثة وبهذا المبلغ تم بناء منزل آخر على قطعة أرض خاصة بالورثة من طابق أول متكامل والطابقان الثاني والثالث غير متكاملين أحد الورثة قام بإكمال هذين الطابقين (الثاني والثالث) من حسابه الخاص بمبلغ أربعين ألف دينار، إذا أراد الورثة الآن تقسيم الميراث فكيف يكون التقسيم بينهم وحصة كل واحد منهم، مع العلم بأن الأب توفي ولديه زوجة وأربعة أولاد وأربعة بنات وولد من زوجة متوفاة، هل تجب موافقة الورثة إذا أرادت إحدى البنات قبل التقسيم الانتفاع بأحد المحلات الموجودة بالمنزل كتأجيره وأخذ ثمن الإيجار؟ ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المنزل الذي بني على قطعة الأرض الخاصة بالورثة بثمن منزلهم القديم وقطعة الأرض يعتبران تركة على الجميع لكل واحد منهم فيه نصيب حسب نصيبه من التركة.
أما الطابق الثاني والثالث فإنهما ملك خاص لمن بناهما من الورثة إن كان قد بناهما بإذن وكيل الورثة أو بإذنهم إن كانوا رشداء بالغين، وفي هذه الحالة إن شاء شارك فيهما غيره من الورثة فيقسمون مع البيت وغيره من ممتلكات والدهم -حسبما سنذكر- وإن شاء احتفظ بهما لنفسه.
وأما إن كان بناهما بغير إذن فإن شاء الورثة أو وكيلهم سمحوا له بالهواء فلهم ذلك، وإن لم يسمحوا له بذلك وتشاحوا فلهم أن يدفعوا له قيمة البناء من التركة، ويكون من ضمنها ليقسم على الجميع كلٌ حسب نصيبه، أو يدفع هو إليهم قيمة الهواء فقط، وبذلك يملك الهواء والبناء، وإن لم يرضوا بهذين الحلين اشتركوا معه في البناء بقيمة الهواء.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرساله: ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائماً، فإن أبى دفع إليه المالك قيمة الأرض، فإن أبى كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد.
هذا إذا وقعت مشاحة، أما إذا تراضوا أو تصالحوا أو تنازل بعضهم لصالح بعض فلا مانع من ذلك شرعاً إذا كانوا رشداء بالغين، أو فعل ذلك وكيلهم.
وأما كيفية تقسيم التركة فيكون بحصرها جميعاً وتقويمها، ثم توزيعها على ثمانية سهام، لأن أصلها من ثمانية لوجود الثمن فيها وهو فرض الزوجة مع الأبناء؛ لقول الله تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم {النساء:12}، فتعطى الزوجة الثمن، والباقي يقسم على أبناء الميت وبناته من زوجته الأولى والثانية للذكر منهم ضعف نصيب الأنثى تعصيباً، قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11}، ويصحح القاسم المسألة ليعطى كل واحد من الورثة نصيبه.
وعلى من أراد استغلال شيء من التركة قبل التقسيم بالإيجار أو السكنى أن يستأذن بقية الورثة، فإن أذنوا له وكانوا رشداء بالغين جاز له الانتفاع بما أذن له فيه، وإلا فلا يجوز له الانتفاع بما لم يؤذن فيه من مال الغير، ويكون مردود الإيجار في هذه الحالة من جملة التركة فيقسم على الجميع كل حسب نصيبه.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.