عنوان الفتوى : التفريط في القوامة وعلاج النشوز عواقبه أليمة

مدة قراءة السؤال : 8 دقائق

سيدي الفاضل: أنا طبيب أبلغ من العمر 60 عاماً لدي مشكلة عمرها 25 عاماً سألت من قبل ولم أجد في نفسي هدوءاً وما زالت وأنا في هذا العمر أبكي بمرارة شديدة على ما أصابني وأكاد أجن وأنا رب أسرة في أشد الاحتياج لي وليس لهم من معين إلا الله، كنت طالباً في كلية الطب حيث تعرفت إلى إحدى الطالبات من ليبيا وأنا أنتمي إلى عائلة رقيقة الحال ونشأت بيننا علاقة عاطفية قوية شهدت فصولها القاهرة، واستمرت 8 سنوات كاملة وفي خلال هذه الفترة كانت العلامات المميزة كالآتي: لم يكن أهل الفتاة راضين عن هذه العلاقة حين علما بها، كانت لها أخت بكلية الآداب معارضة وكارهة لهذه العلاقة وكانت تحاول بشتى الطرق، ولكن لم تنجح وكذلك أخ غير شقيق لها وأيضاً حاول بأكاذيب وأيضاً لم ينجح وفي هذا الوقت كانت خبرتي في الحياة محدودة جداً، ولم أفكر أبداً أن السبب هو اختلاف البيئة أو المجتمع أو حالتي الاجتماعية الأدنى ولم تكن لي رؤية ولكن ربما تحت وطأة فكرة أن العلاقة قد وصلت إلى طريق يوجب توثيقها وافقت أسرتها على الزواج ويعلم الله أنني تزوجتها بكراً لم أمسسها بسوء بل كنت دائماً لا أفكر في احتمال الانفصال وأوفد والدها أحد أشقائها لإتمام الزواج وعلى الجانب الآخر كانت أسرتي الصغيرة معارضة أيضاً من منطلق أنني ابنهم الوحيد وبدأنا في الإجراءات في الشهر العقاري وفوجئت بأن الوالد اشترط أن يكون المهر 500 جنيه ذهب انجليزي خيالي، فكانت صدمة وموقفاً محرجاً وأنا مجرد طبيب منذ عامين فقط، وتمت تسوية الأمر بأن تم حساب الجنيهات الذهب بالمصري فبلغت في هذا الوقت 6000 جنيه وهو مبلغ ضخم ولكن لم أدفع منه شيئاً ولكن تكفلت بكل مصروفات العرس وتم الزفاف في شقة مفروشة في مدينة نصر إلى أنهت هي فترة تدربها وسافرت إلى ليبيا واستطاعت الحصول على وظيفة هناك بفضل توصية من جانب أحد الشخصيات الليبية والتحقت بها وبدأت عملي وكان أهلها سكنى نفس الشارع فكانت تمضي كل وقتها لديهم وكان لدي إحساس شديد بالوحدة وزاد الأمر حين وضعت أول مولود لنا وكانت أنثى فصدمت برد فعل على مولودي الأول الذي كان مماثلاً تماما لخبر فقد عزيز لديهم واستمرت وحدتي واستمرت سلبيتي تجاه إقامتها الدائمة لدى أهلها ولم تكن معاملتهم لي تتميز عن معاملة أي غريب مع كثير من الجفاء وعدم الاكتراث بشخصي ولم يكن لي إلا أصدقاء في القاهرة وكنت أراسلهم شاكياً حالي سائلاً النصيحة، وكانوا يصبرونني على حالي في الفترة نشأت بيني وبين إحدى الممرضات علاقة عاطفية وكتبت في أحد الأيام إلى زميلي في القاهرة أستشيره وخرجت لإرسال رسالتي وفي هذه الأثناء حضرت زوجتي وفهمت أنني كنت أكتب رسالة وعن طريق مسح بالكربون استطاعت هي وإحدى أخواتها من الاطلاع على فحوى الرسالة وعند عودتي وجدت أحد إخوانها في انتظاري متوعداً بلقاء في المحكمة وتركت البيت إلى بيت أحد الزملاء حتى تهدأ الأمور وعند عودتنا وجدت كل ملابسي جمعت في وسط الصالة فجمعتها أنا وزميلي واستضافني عنده، وفي اليوم التالي استدعاني مدير المستشفى ليبلغني أنني مطلوب في الشرطة بسبب ضربي للدكتورة زوجتي وكسر ذراعها، ويعلم الله أنني لم أمسسها أبداً كيف وأخوها كان حاضراً عند رجوعي واستمر الوضع مع مطاردات بوليسية ثلاثة أيام إلى أن حضرت سيارة شرطة وهي بصحبتهم إلى منزل الزميل وألقوا القبض علي وفي الشرطة قامت بسبي وسباب أبي رحمة الله عليه ناعته إياه أنه لا يجد العشرة قروش، وانتهى الحدث بالصلح الذي لم يكن لي خيار سواه وبدأت البحث عن مخرج إلى أن وجدت فرصة في السفر إلى إيرلندا للدراسة فغادرت تاركاً ليبيا وتاركا بناتي الاثنين وأيضا وهي حامل، ثم رزقني الله بولد بشرت به وأنا في الخارج ثم أبلغتني بذهابها إلى مصر للدراسات العليا فابتهجت ورجعت للقاهرة متمنياً حياة عائلية هادئة وفوجئت بوجود أختها الكارهة لي في الشقة المقابلة وذلك كان في أبريل 1977 وتسلمت عملي في أحد مستشفيات القاهرة واشتريت سيارة باسمها حتى نستفيد بالإعفاء الجمركي المؤقت وبعد وصولي بشهر على الأكثر تمسكت ابنتي الصغيرة بأحد دفاترها فقطعت إحدى الورقات إرضاء للطفلة حتى تهدأ وذهبت لعملي وعند عودتي كانت تركت البيت لأختها فتكلمت مع زوج أختها محذراً من هذا التصرف فرجعت وكانت منتظمة في واجباتها لمدة أسبوع ولكن لاحظت أنها احتفظت بجواز سفر أولادي فلم أهتم وفي شهر مايو 1977 أي بعد عودتي بحوالي 5 أسابيع عدت من عملي لم أجدها أو الأولاد تاركة لي قصاصة أنها ذهبت إلى والدتي للاعتذار ومصالحتها بعد تعديها عليها بألفاظ وفي الحال توجهت إلى بيت أهلي وكان يقع في ضاحية بعيدة فلم أجدها ولكن والدتي صارحتني أن أختها لم تكن سعيدة بعودتي تصريحاً واضحاً فرجعت ثانية إلى البيت فلم أجد أي قطعة ملابس أو أي شنطة فتوجهت إلى المطار راجياً من المديرة الاطلاع على قوائم المسافرين ولم يكن السفر في ذلك الوقت مباشراً إلى ليبيا لأسباب سياسية وبعد حوالي ساعتين وجدت أسماء أولادي على الطائرة المتجهة إلى أثينا ثم طرابلس وكانت أقلعت في نفس الوقت الذي كنت فيه في المطار وصدمت صدمة عنيفة ثم طلب زوج أختها السيارة رغم أنها من مالي وأرسلت لها واستقلت من وزارة الصحة وسافرت إلى السعودية وأصابني نجاح عظيم ولكن لم يفارقني خيال أولادي وأدمنت الشراب وكانت مأساتي اليومية شراب ثم بكاء وأحسست بخطر ما أنا فيه فتركت السعودية إلى ليبيا بعد ثلاث سنوات وسعدت أيما سعادة حين وجدتها في المراحل النهائية من بناء فيلا فأقمت فيها دون ماء أو كهرباء حوالي شهرين إلى أن تمت وتم فرشها وكل ذلك كان لفرط سعادتي لأنها كتبتها هبة لأولادها ثم بدأت البحث عن العمل ولدهشتي لم تكن سعيدة لذلك وكانت تقول يكفيك البقاء بجانب أولادك أي سأكون الحارس والسائق وأي شيء ما عدا الطبيب وتركت ليبيا مرة أخرى إلى إيرلندا طامعا في الدكتوراة وأعانني الله على ترك الشراب ولكن في أثناء دراستي مرضت بشدة لفترة ووجدت فرصة عمل في الكويت فالتحقت وأرسلت لها حتى تحضر ونستقر وطلبت منها الحضور مع أوراقها لتعمل بجانبي في الكويت فحضرت مع الأولاد ولكن دون أوراق، رفضت البقاء للعمل وأقامت شهراً وتركته بعد أن حملت من الهدايا وكل ما طلبت ثم داومت على الاتصال بها تليفونيا لفترة أسابيع ثم فوجئت بها غاضبة ثائرة من تليفوناتي المزعجة ثم ألغت خط التليفون هكذا دونما سبب أفهمه أو شيء واضح وفجأة وجدت نفسي في ضياع خصوصاً بعد أن كثرت علاقاتي النسائية، وهداني الله وتزوجت وأنجبت ثلاثة أولاد آخرين وطوال هذه الفترة وطوال 24 عاماً لم أر أولادي ولم أسمع عنهم ولم يحاول أي منهم الاتصال بي وانشغلت بعائلتي الثانية، والآن أكاد أجن لرؤيتهم للقائهم فهم في مأزق يقيمون في بلد ليس وطنهم وأحاول الاتصال بهم ولا مجيب وليس أمامي إلا الاتصال بأختها الكارهة، والآن ما هو الصواب وما هو رأيكم، أنا أرجو أن أبريء ذمتي هل أجرمت في حق أولادي، وهل أغضبت المولى عز وجل، هذه رسالة من كهل في الستين والموت يأتي بغتة ودون ميعاد ولم يبق في العمر الكثير، أرجو أن يكون هناك رد؟ لكم الشكر وخير الجزاء.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن ما أنت فيه نوع من الابتلاء ينبغي أن تقابله بالصبر، لأن هذا شأن المؤمن، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.

واعلم أنك إنما أُتيت ووقعت فيما وقعت فيه من جهتين:

الأولى: العلاقة العاطفية التي كانت بينك وبين هذه الفتاة، وهي علاقة محرمة ولو لم يترتب عليها زنا، ويغلب على مثل هذه العلاقات وما يكون بعدها من زواج أن يكون مصيره الفشل بسبب ما يقع من الانخداع بالمظاهر، فالواجب عليك التوبة والندم على تلك العلاقة المحرمة.

الثانية: أنك قد فرطت في أمر القوامة على بيتك، فتركت زوجتك تتصرف كما تشاء، وكان الواجب عليك الحزم اتجاهها، واتباع ما أمر الله تعالى به في علاج المرأة الناشز. قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء [النساء: 34].

وعلى كل حال، فهذه المرأة لا تزال زوجة لك ما دام لم يحصل طلاق، ولا شك أنك قد فرطت كثيراً في كونك طيلة هذه الفترة لم تمسك بمعروف أو تفارق بإحسان، وكذا قد فرطت في حق هؤلاء الأولاد، ولا سيما حال صغرهم وحاجتهم إلى العناية والرعاية، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، ولا ينبغي أن تترك هذه المرأة معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وينبغي أن تسعى إلى صلة أولادك لئلا تكون سبباً في عقوقهم لك حرصاً على الرحم أن توصل، وحذراً من أن تقطع، وأحسن فيما تبقى من عمرك يغفر لك ما مضى، ويصلح لك ما تستقبل ويحسن خاتمتك.

والله أعلم.