عنوان الفتوى : من أصيب بفقد السمع هل يقول: اللهم اجعل في سمعي نورا، أو اللهم عافني في سمعي؟
تمزَّقت طبلة أذني، فهل أستطيع أن أقرأ الأدعية التالية في السجود أو قبل السلام؟ "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا، اللَّهُمَّ عَافِنِیْ فِیْ بَدَنِیْ، اللَّهُمَّ عَافِنِیْ فِیْ سَمْعِیْ، اللَّهُمَّ عَافِنِیْ فِیْ بَصَرِیْ لَا اِلٰهَ اِلَّا اَنْتَ".
الحمد لله.
أولا:
الدعاء المذكور صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في صلاة الليل، وفي خروجه إلى صلاة الصبح، وفي سجوده للفريضة، وورد أنه قاله بعد فراغه من الصلاة.
1-فقد روى البخاري (6316) ومسلم (763) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَتَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ، فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ، وَلَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أَبْلَغَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ، فَتَوَضَّأْتُ، فَقَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ: اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَعَظِّمْ لِي نُورًا.
ورواه أحمد (3301) وفيه: "فَقَالَ: أَنَامَ الْغُلَامُ؟ وَأَنَا أَسْمَعُهُ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ قَالَ فِي مُصَلَّاهُ: اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا وصححه شعيب في تحقيق المسند.
وقوله: (وَكَانَ فِي دُعَائِهِ) أي في جملة دعاء النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في تلك الصلاة، وفي رواية البخاريّ: (وكان يقول في دعائه) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فيه إشارة إلى أن دعاءه حينئذ كان كثيرًا، وكان هذا من جملته، ومما كان يقوله أيضًا ما يأتي: "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض. . . إلخ" انتهى من "فتح الباري" (11/117).
2-وفي رواية لمسلم (763): " فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا.
ومن أهل العلم من ضعف هذه الرواية؛ لكثرة ما فيها من المخالفة لرواية الحفاظ الأثبات، وهي من رواية حبيب بن أبي ثابت، وهو ثقةٌ فقيهٌ، كثير الإرسال والتدليس، وهي مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقد رواها مسلم في المتابعات، لا في الأصول. وينظر: "البحر المحيط الثجاج" (16/51).
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (426575).
3-وفي رواية لمسلم (763): " ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ فِي سُجُودِهِ: اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا ، أَوْ قَالَ: وَاجْعَلْنِي نُورًا.
4-ورى الترمذي (3419) عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي... اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قَلْبِي، وَنُورًا فِي قَبْرِي، وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَنُورًا مِنْ خَلْفِي، وَنُورًا عَنْ يَمِينِي، وَنُورًا عَنْ شِمَالِي، وَنُورًا مِنْ فَوْقِي، وَنُورًا مِنْ تَحْتِي، وَنُورًا فِي سَمْعِي، وَنُورًا فِي بَصَرِي، وَنُورًا فِي شَعْرِي، وَنُورًا فِي بَشَرِي، وَنُورًا فِي لَحْمِي، وَنُورًا فِي دَمِي، وَنُورًا فِي عِظَامِي، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا، وَأَعْطِنِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا .
قال الترمذي: غريب، وضعفه الألباني.
وجنح العلامة محمد بن علي بن آدم الإتيوبي، رحمه الله، إلى تثبيت الرواية بهذا الدعاء، في المواطن المذكورة، جميعها. قال : "الأظهر عندي أنه صلى اللَّه عليه وسل كان يقول هذا الدعاء في سجوده، وعند فراغه من صلاته، وحينما يخرج إلى المسجد، فبهذا تجتمع الروايات، واللَّه تعالى أعلم. انتهى من "البحر المحيط الثجاج" (16/41).
ثانيا:
تنوير هذه الأعضاء يلزم منه هدايتها، وإزالة رين الآثام عنها.
قال في "مرعاة المفاتيح" (4/176): " ومن لازم تنوير هذه الأعضاء حلول الهداية، لأن النور يقشع ظلمات الذنوب، ويرفع سدفات الآثام" انتهى.
وقال في "البحر المحيط الثجاج" (16/13): " قال الكرماني -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التنوين فيه؛ للتعظيم؛ أي: نورًا عظيمًا، وقدّم القلب؛ لأنه المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، فإذا تنوّر القلب فاض نوره على جميع الجسد، وإذا حلّ النور في القلب والأعضاء، حلّت الهداية فيها؛ لأن النور يقشع ظلمات الذنوب، ويرفع رَيْن الآثام، فنشطت للعبادة، وسعدت السعادت الأبديّة".
ومن أهل العلم من فسر الحديث على أنه طلب النور يوم القيامة.
قال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (7/29): " وهذه الأنوار التي دعا بها النبي ـصلى الله عليه وسلم يمكن أن تحمل على ظاهرها، فيكون معنى سؤاله: أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نورًا يوم القيامة، يستضيئ به في تلك الظلم هو ومن تبعه، أو من شاء الله ممن تبعه.
والأولى أن يقال: هذه الأنوار هي مستعارة للعلم والهداية، كما قال تعالى : (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه)، وكما قال : (أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، أي : علمًا وهداية.
والتحقيق في معناه: أن النور مُظهِرٌ ما ينسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور الشمس مُظِهرٌ للمبصرات، ونور القلب كاشف عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات، فكأنه دعا بإظهار الطاعات عليها دائمًا، والله تعالى أعلم" انتهى.
وعلى هذا؛ ففقدان السمع لا يمنع من دعاء الإنسان بقوله: "وفي سمعي نورا" على معنى رفع الآثام التي اقترفها الإنسان بأذنه، أو على معنى حصول النور لهذا العضو يوم القيامة.
وإن كان يمكن رجوع السمع عادة، فلا مانع أن يقول: "وفي سمعي نورا" على معنى أن يرد الله عليه سمعه، ويحفظه من سماع المحرم.
ثالثا:
روى أحمد (20430)، وأبو داود (5090) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: " يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ: اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِنَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ" وحسنه الألباني.
قال في "مرعاة المفاتيح" (8/156): " خصّ السمع والبصر بالذكر، بعد ذكر البدن، مع أنه مشتمل عليهما، لشرفهما؛ فإن السمع يدرك ويعي الآيات المنزلة على الرسل، والعين هي التي تدرك وتجلو آيات الله المنبثة في الآفاق، فهما جامعان لدرك الآيات النقلية والأدلة العقلية والنقلية" انتهى.
والظاهر أن الأصم لا يقول: عافني في سمعي؛ لأن ذلك من سؤال ما هو مستحيل عادة، ولا يكون إلا بخرق عادة.
قال القرافي رحمه الله: " (القسم الثاني) من المحرم الذي لا يكون كفرا؛ أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية، إلا أن يكون نبيا فإن عادة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - خرق العادة، فيجوز لهم ذلك، كما سألوا نزول المائدة من السماء وخروج الناقة من الصخرة الصماء، أو يكون وليا، له مع الله تعالى عادة بذلك، فهو جار على عادته فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب" انتهى من "الفروق" (4/268).
وينظر: جواب السؤال رقم: (307589)، ورقم: (344339).
وأما تمزق طبلة الأذن، وإن أدى إلى فقد السمع، فهو فقد مؤقت إلى أن يتم التئام الطبلة ولو بجراحة، فيعود السمع، وهذا لا يمنع من الدعاء بأن يعافيه الله في سمعه، بل يطلب منه ذلك.
والله أعلم.