عنوان الفتوى : الطلاق من النكاح الفاسد معتبر
سيدي الفاضل سؤالي عن زواج عرفي قد تم بيني وبين رجل منذ حوالي أربع سنوات وكان عمري في ذلك الوقت حوالي خمسة و أربعين عاما وعمره سبعة وعشرون عاما وقد تم هذا الزواج في وجود شاهدين للعقد وقد تم التوقيع على العقد في وجودنا نحن الأربعة ولكن دون ذكر لصيغة الإيجاب أو القبول وكذلك عدم حضور أو موافقة ولي. هذا وقد أخبرت أختي و زوج أختي وابني من زوج سابق بهذا الزواج وقد أخبر هو أخته وأمه فقط. وظل الزواج فيما عدا ذلك سرا ولم نبح به لأحد من زملائنا بالعمل ذلك بالرغم من أننا نعمل في مؤسسة واحدة. ولم يكن لنا مسكن خاص طوال هذه المدة بل كنا نلتقي خلسه.باختصار أستطيع أن اقول إنه كان زواجا سريا فلا أستطيع أن أرث فيه إذا هو قد مات في ذلك الوقت وكذلك هو لا يستطيع أن يرث في وكنا حريصين أشد الحرص على عدم الإنجاب خوفا من عدم القدرة على مواجهة أهلي بهذا المولود. وفي تلك الفترة قد قام بتطليقى ثلاث مرات وأنه الآن يريد أن يتزوجني زواجا شرعيا على يد مازون وبموافقة الولي وشهادة الشهود والإعلان الكامل عن هذا الزواج . فهل لي أن أفعل ذلك شرعا أم لا؟ أرجو الإفادة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء في الحديث الذي صححه غير واحد من أهل العلم وتلقته الأمة بالقبول وبمقتضاه يقول الجمهور وهو قوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، ثلاث مرات. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
وعليه، فلا يجوز للمرأة ولا للرجل الذي يريد أن يتزوج بها الإقدام على نكاح بغير إذن ولي المرأة، فإن أقدما على ذلك النكاح الباطل كما قال صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فورا، ولا يجوز لهما الاستمرار على ذلك الزواج، لكن إذا طلق الزوج زوجته من هذا النكاح الفاسد فإن طلاقه يعتبر وهو محسوب عليه نظرا لقول من يقول بصحته، وفيه التوارث لو مات أحد الزوجين قبل الفرقة، ويلحق الولد فيه وتعتد المرأة منه عدة طلاق، وهذا الطلاق أعني الطلاق في النكاح الباطل الذي يوجد من يقول بصحته يكون بائنا، نص على ذلك غير واحد من أئمة الحنابلة والمالكية، إذا تقرر هذا، فاعلمي أنه لا يجوز لزوجك ارتجاعك بعد أن طلقك من ذلك النكاح الباطل، هذا إذا كانت الطلقتان الثانية والثالثة عن ارتجاع، وعلى كل حال، فالظاهر والله أعلم أن طلاق الثلاث الواقع نافذ ولا تحلين له إلا بعد أن يدخل بك زوج آخر ويفارقك وتنتهي عدتك منه، وذلك لأن العلماء نصوا على أن النكاح المختلف في صحته يعطى حكم النكاح الصحيح كما سبق، والنكاح بدون ولي يقول بصحته بعض أهل العلم.
وقد سئل الشيخ محمد بن أحمد صاحب الفتاوى المشهورة المعروف بعليش وهو من أئمة المالكية: عن مسألة انتشرت في زمنه وهي التحايل بالردة من أحد الزوجين إذا كان الزوج طلق بطلاق الثلاث، فإذا أراد أن يحل يمينه ويتخلص من تبعتها يرتد هو أو ترتد زوجته والعياذ بالله تعالى، حتى لا يلحقه طلاق الثلاث الذي حلف به، والمعروف عند المالكية أن الردة طلاق بائن.
فأجاب رحمه الله تعالى بما مضمونه إن الردة فيها قول بأنها طلاق رجعي وقول بعود الحل بمجرد العود إلى الإسلام فيرتدف عليها الطلاق حتى على القول المشهور من أنها طلاق بائن مراعاة لهذين القولين استحسانا واحتياطا للفروج، وقولهم البائن لا يرتدف عليه غيره إذا لم يكن نسقا مخصوص بالمتفق فيه على البينونة. انتهى محل الغرض من كلامه.
والشاهد منه لمسألتنا الذي أوردناه لأجله هو أن الطلاق من النكاح الفاسد وإن كان بائنا لا يعطى حكم البائن من كل وجه وأن إرداف الطلاق بعده نافذ ولو كان بائنا من كل وجه لم ينفذ الطلاق بعده لأنه بائن لكنهم أعطوه حكم الطلاق من النكاح الصحيح احتياطا للفروج ومراعاة للقول بصحة النكاح.
وقد سئل شيخ الإسلام عمن تزوج امرأة بولاية فاسق وشهادة فساق ثم طلقها الثلاث ثم أراد أن يتزوجها بعد طلاق الثلاث مسوغا ذلك بفسق الولي والشهود؟ فأجاب رحمه الله بقوله: إذا طلقها ثلاثا وقع به الطلاق ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك فهو من المتعدين لحدود الله، فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده، إلى آخر كلامه.
والله أعلم.