عنوان الفتوى : أقوال الفقهاء في حكم تأجير العارية ومَن الذي يستحق أجرتها
قامت المؤسسة التي أعمل بها بتوزيع لوحات طاقة على جزء من الموظفين، للاستخدام الشخصي في البيت، وهي عهدة شخصية، وليست تمليكا، وتم التوقيع على تعهد بخصم قيمتها من الراتب حال التلف، وأنه يجب إرجاعها وقت ما تطلبها الإدارة. فما الحكم في تأجير هذه اللوحة في حال لم تكن تلزمني.
مع العلم أن الإدارة لن تمنع ذلك لو علمت؛ لأن الكثير من الموظفين أخذوا، ولكن في نفس الوقت لن يعجيها ذلك، لأن الهدف هو الاستخدام الشخصي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمادامت المؤسسة لا تُمَلِّك هذه الألواح للموظف، فهي في حكم العارية عند الموظف ينتفع بها دون أن يملكها، وتأجير المستعير للعارية محل خلاف بين أهل العلم، بناءً على خلافهم في حقيقتها، وهل هي تمليك للمنفعة؟ أم مجرد إباحة لها؟
قال ابن القيم في بدائع الفوائد: تمليك المنفعة شيء، وتمليك الانتفاع شيء آخر، فالأول يملك به الانتفاعَ، والمعاوضةَ، والثاني يملك به الانتفاعَ دون المعاوضة... وعلى هذا الخلاف تَخَرَّج إجارة المستعار، فمن منعها كالشافعي، وأحمد، ومن تبعهما، قال: لم يملك المنفعة، وإنما ملك الانتفاع، ومَن جوَّزها كمالك، ومن تَبِعه، قال: هو قد ملك المنفعة، ولهذا يلزم عنده بالتوقيت. اهـ.
وقال القرافي في الفروق في الفرق بين قاعدة تمليك الانتفاع، وبين قاعدة تمليك المنفعة: تمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم، وأشمل، فيباشر بنفسه، ويمكن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالعارية... وأما مالك المنفعة: فكمن استأجر دارا، أو استعارها فله أن يؤاجرها من غيره، أو يسكنه بغير عوض، ويتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم، على جري العادة على الوجه الذي ملكه، فهو تمليك مطلق في زمن خاص، حسبما تناوله عقد الإجارة، أو شهدت به العادة في العارية. اهـ.
وإذا أذنت المؤسسة -المعير- في تأجيرها صحت الإجارة عندئذ، وهذا الإذن قد يفهم من قول السائل: الإدارة لن تمنع ذلك لو علمت- ولكن هذا الإذن يجب أن يكون له مدة محددة، لأن الإجارة لا تصح إلا بتعيين المدة.
قال أبو الخطاب الكلوذاني في الهداية: لا يجوز إجارة المستعار إلا أن يأذن له المالك في مدة معلومة. اهـ.
وقال ابن مفلح في شرح المقنع المبدع: وللمستعير إجارتها؛ لأنه لو أذن له في بيعها لجاز؛ فكذا إجارتها، ولأن الحق له فجاز بإذنه، إذا أذن له المعير مدة بعينها؛ لأن الإجارة عقد لازم، لا تجوز إلا في مدة معينة. اهـ.
وفي مستحق الأجرة حينئذ خلاف: هل هي للمستعير؟ أم للمعير؟ كما روى عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن جابر قال: سألت الحكم، والشعبي عن رجل استعار دابة فأكراها بدرهم؟ قال الحكم: الدرهم له، وقال الشعبي: الدرهم لصاحب الدابة. اهـ.
ومذهب الحنابلة أن الأجرة للمعير، لا للمستعير، قال الحجاوي في الإقناع: ليس لمستعير أن يعير، ولا يؤجر، إلا بإذن... والأجرة لربها، لا له. اهـ.
وقال البهوتي في الروض المربع: ليس للمستعير أن يؤجر إلا بإذن مالك، والأجرة له. اهـ.
قال ابن قاسم في حاشيته: أي المالك دون المستعير، لانفساخ العارية بورود الإجارة عليها. اهـ.
فإن تنازلت المؤسسة -المعير- عن هذه الأجرة للسائل؛ فلا حرج.
والله أعلم.