عنوان الفتوى : حصول الإيجاب والقبول في البيع دون إكراه دليل على الرضا
حديث: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس، إذا علمت أن الشخص لا يريد أن يعطيني الشيء، فلا يجوز لي أخذه، ولكن سؤالي: إذا شككت، هل هو راض، أم لا، فماذا أفعل؟ كمثال عندنا في أماكن بيع الخضار بحكم العرف، فالبائع يسمح أن يختار الزبون خضاره بنفسه، ولكن عندما يختار الزبون الخضار بنفسه، فيقوم بأخذ الجيد منه، وترك السيء، يرى في وجه البائع التاجر آثار الكراهية؛ لأنه لن يشتري أحد الخضار منه، إذا بقي السيء فقط -بالرغم من أنه يسمح بذلك-، ومثله كذلك المساومة في السعر، أحيانا يصر الزبون على سعر معين، وفي النهاية يوافق البائع، ولكني لا أعلم، هل وافق بسبب الحياء، أم أنه رضي بالسعر.
فهل في الحالتين السابقتين عند الشك أبني على الرضا، أم عدم الرضا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس فيما ذكره السائل ما يتعارض مع الرضا المشروط في صحة البيع؛ لأن المراد بالرضا هو: الاختيار، وعدم الإكراه.
قال ابن قدامة في «المقنع»: ولا يصح إِلا بشروط سبعة، أحدها: التراضي به، وهو أن يأتيا به اختيارا، فإِن كان أحدهما مكرها لم يصح، إِلا أن يكره بحق، كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه. اهـ.
وقال النووي في «منهاج الطالبين»: شرط العاقد الرشد ... وعدم الإكراه بغير حق. اهـ.
وجاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»: الرضا عرفه جمهور الفقهاء: بأنه قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه. اهـ.
وقد سبق لنا في الفتوى: 95552 الإشارة إلى أن الرضا لما كان أمراً خفياً لا يطلع عليه أحد أنيط الحكم بسبب ظاهر، وهو الصيغة التي هي الإيجاب، والقبول، فإذا حصل إيجاب وقبول بقول، أو فعل، أو إشارة انعقد العقد، وترتبت عليه آثاره.
وكذلك الحال في طيب النفس الوارد في حديث: لا يحل مال امرئ، إلا بطيب نفس منه. هو أمر خفي، فيتعلق حكمه -أيضا- بالظاهر.
على أن هذا الحديث أَلْصَقُ بالهبات والعطايا منه بعقود المعاوضات؛ كالبيع، والشراء.
قال القرطبي في المفهم: لما كان الأصل المعلوم من الشريعة أن المالك لا يجبر على إخراج ملك عن يده بعوض، كان أحرى، وأولى ألا يخرج عن يده بغير عوض. اهـ.
والله أعلم.