عنوان الفتوى : طريق التوبة من العلاقة مع الفتيات والاستمناء
أنا شاب في العشرينات من عمري، وملتزم دينياً بعض الشيء بحمد الله، لكني مبتلى بالحديث مع الفتيات، وهذا الأمر جرَّ معه العادة السيئة، علماً أن الحديث معهن لا يشتمل بأي شكل من الأشكال على أحاديث جنسية بالطبع. ولكن العادة أمر حاصل.
وسؤالي الأول: كنت قد تبت عن الحديث معهن، وقد خَفَّتْ علاقاتي مع أغلب الفتيات بشكل قوي، ولم يتبق إلا 3 منهن. وأحاول التخلص من هذه العادة، وفي بعض الأحيان أمارسها وأتوب، وأستمر بهذا الامر بترداد خفيف (مرة أو مرتين)، وأتوب بعدها، ولكن مؤخرًا عندما أردت التوبة، لم أشعر بالندم، فما الحل؟
السؤال الثاني: صديقي المقرب قد دمر علاقتنا لأجل فتاة قبل فترة قصيرة، وهنالك ضغوط أسرية هائلة، جعلتني اليوم لا أستطيع النوم من التوتر والضغط، فمارست العادة لكي أتخلص من هذا الشعور، علمًا أني لم أستطع الخروج للنادي. فهل أأثم في هذه المرة؟
أعانني الله وإياكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك التوبة إلى الله، وقطع كل العلاقات المحرمة مع الفتيات؛ فهي باب فتنة وسبب فساد وشر، ولذلك نصّ بعض أهل العلم على عدم جواز مكالمة الرجل للشابة الأجنبية دون حاجة.
قال الخادمي -رحمه الله- في كتابه: بريقة محمودية: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة. انتهى.
وكذا عليك التوبة إلى الله من الوقوع في الاستمناء؛ فهو محرم، وما ذكرته من التوتر والضغوط الأسرية؛ ليس مبيحًا للوقوع في هذه المعصية القبيحة، قال اللَّهُ -عز وجل-: وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ. المؤمنون (5-7).
قال الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- في كتاب الأم : .. فَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ إلَّا في الزَّوْجَةِ، أو في مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ. انتهى.
واعلم أنّ ركن التوبة الأعظم هو الندم، ففي مسند أحمد عن ابن مسعود: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الندم توبة".
قال القاري -رحمه الله-: أَيْ: رُكْنٌ أَعْظَمُهَا النَّدَامَةُ، إِذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ مِنَ الْقَلْعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَتَدَارُكِ الْحُقُوقِ مَا أَمْكَنَ. انتهى.
والطريق إلى حصول الندم المطلوب للتوبة الصادقة؛ يكون بتعظيم الله تعالى، وتعظيم أمره ونهيه، والحياء منه، والتفكر في الموت وما بعده من أمور الآخرة، والتفكر في قبح المعصية، وكونها سببًا للحجاب بين العبد وبين ربه.
قال الغزالي -رحمه الله- في الإحياء: أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجابًا بين العبد وبين كل محبوب، فإذا عرف ذلك معرفة محققة بيقين غالب على قلبه، ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم، فإن كان فواته بفعله تأسف على الفعل المفوت، فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندمًا، فإذا غلب هذا الألم على القلب، واستولى، وانبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصدًا إلى فعل له تعلق بالحال والماضي وبالاستقبال، أما تعلقه بالحال فبالترك للذنب الذي كان ملابسًا، وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر، وأما بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلًا للجبر. انتهى.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: فَأَمَّا تَعْظِيمُ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ إِذَا اسْتَهَانَ بِهَا لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا. وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهَا يَكُونُ نَدَمُهُ عَلَى ارْتِكَابِهَا؛ فَإِنَّ مَنِ اسْتَهَانَ بِإِضَاعَةِ فَلْسٍ -مَثَلًا- لَمْ يَنْدَمْ عَلَى إِضَاعَتِهِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ دِينَارٌ اشْتَدَّ نَدَمُهُ، وَعَظُمَتْ إِضَاعَتُهُ عِنْدَهُ. وَتَعْظِيمُ الْجِنَايَةِ يَصْدُرُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَعْظِيمُ الْأَمْرِ، وَتَعْظِيمُ الْآمِرِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَزَاءِ. انتهى.
وإذا كنت قادرًا على الزواج؛ فبادر به إعفافًا لنفسك، وإلى أن يتيسر لك الزواج؛ فعليك أن تصبر وتستعف؛ بكثرة الصوم، مع حفظ السمع والبصر، والبعد عن مواطن الفتن، واجتناب ما يثير الشهوة، وشغل الأوقات بالأعمال النافعة، مع الاستعانة بالله -عز وجل-، والاعتصام به، وكثرة الذكر والدعاء، وراجع الفتوى: 23231.
والله أعلم.