عنوان الفتوى : حكم العمل بمؤسسة تقوم بعمليات بيع التورق

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أعمل في مؤسسة مالية إسلامية، وقد التزمتُ حديثاً، وتُراودني نفسي أحياناً بالخروج منها تورعاً؛ ولتجنب الشبهات، ولكني أرى أن هناك طائفة من المسلمين يعملون على أن مثل هذه المؤسسات الإسلامية هي جائزة، ولا توجد فيها شبهات، وطائفة أخرى من المسلمين ينظرون إلى أنها حرام محض، وأنها كالربا، ولا فرق بينها، وعندما بحثت في المسألة وجدتُ اختلافاً بين أهل العلم، فمنهم من يقول بتحريم التورّق، ومنهم من ذهب إلى جوازه، ولكنني إن اقتنعت بقول إنه حرام، وظللت أعمل في هذه المؤسسة، ولم أخرج منها؛ كي أكون ممن يحرصون على عدم وجود تجاوزات، وكخدمة لهذا الدين؛ لأن الطائفة التي تقتنع أنه جائز تحتاج إلى استمرارية هذا البنك، وعدم توقفه؛ ولأن توقفه قد يضطر بعضهم إلى الوقوع في الربا، وإنما أنا لبنة في هذه المؤسسة، فإن خرجت منها، وكذا فعل الباقون، فإن الضرر قد يكون أعظم، وثم إن بقائي في هذه المؤسسة هو دعم لها؛ لكي لا يقع الناس في الربا، وللأسف يوجد كثير من العملاء يذهبون إلى البنوك الربوية مع التزامهم، ومحافظتهم على صلاة الفجر جماعة، وعند التحاور معهم يكون ردهم كلكم نفس الشيء، وقد سمعت أن هذه المعاملات الإسلامية، أو (التورّق) جائزة للضرورة، ولكن للأسف الكثير ممن يقدمون على هذه التمويلات لا تكون لهم فيها ضرورة، فأرجو توضيح أقوال أهل العلم، وإرشادنا بما ينفع.

مدة قراءة الإجابة : دقيقتان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالتورق صار عنوانا لمعاملات مختلفة في حقيقتها، فمنه التورق الحقيقي الذي أباحه جمهور أهل العلم، وهو شراء سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا - لغير البائع - بأقل مما اشتريت به؛ ليحصل المتورق بذلك على النقد (السيولة).

ومنه التورق المنظم الذي تجريه بعض المؤسسات، والمصارف الإسلامية! حيث تقوم بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد، أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق. وهذا محرم؛ لأن فيه معنى الربا، فهو تمويل نقدي بزيادة، ولمشابهته لبيع العينة، وللإخلال بالقبض الذي يشترط لصحة المعاملة، كما صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بشأن التورق، وراجع فيه الفتوى: 420907.

والمقصود أن التورق المنظم ظاهر الحرمة، بخلاف التورق الحقيقي فهو جائز؛ لأنه ليس منهيا عنه، ولا في معنى المنهي عنه، كما هو مذهب جمهور أهل العلم. وانظر للفائدة الفتويين: 17772، 226120.

ثم إن الحكم على المؤسسة، أو المصرف بكونه إسلاميا يعتمد على حقيقة معاملاته، وانضباطها، والتزامها بالأحكام الشرعية. وراجع في ذلك الفتويين: 10305، 14288.

وعلى ذلك يبنى حكم بقاء السائل في عمله، أو تركه له، فإذا كانت المؤسسة التي يعمل بها تلتزم بالضوابط الشرعية في معاملاتها، فبقاؤه مطلوب، وإن اختلت معاملاتها، أو دخلها الحرام، فليتركه إلى غيره.

وإن اختلط عليه الأمر، ولم يستطع الحكم، فليرجع إلى أهل العلم في بلده ممن يعرفون حقيقة المؤسسة التي يعمل بها.

والله أعلم.