عنوان الفتوى : تحويل النية فيما يُعطَى للفقراء من صدقة إلى فدية صيام
أقوم بإخراج صدقات شهرية لعدة أُسَر، واكتشفت أن عليَّ كفارة صيام عن أربع سنوات سابقة، فهل يمكن الاستمرار في إخراج هذه الصدقات بنية كفارة الصيام، حتى الانتهاء من سداد هذه الكفارة؟
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الكفارة مصرفها المساكين، كما نصت عليه النصوص، حيث يقول الله تعالى في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.
ويقول تعالى في كفارة الظهار: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا {المجادلة:4}.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في كفارة الصيام:.. فأطعم ستين مسكينا.. الحديث متفق عليه.
جاء في الحاوي للْمَاوَرْدِي الشافعي: اعْلَمْ أَنَّ مَصْرِفَ الْكَفَّارَاتِ فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ خَاصَّةً، وَمَصْرِفَ الزَّكَاةِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَفِي بَقِيَّةِ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ، فَاشْتَرَكَ الفقراء والمساكين في الكفارات والزكوات. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجوز صرفها -أي: الكفارات- إلى غيرهم -أي: الفقراء، والمساكين- سواء كان من أصناف الزكاة، أو لم يكن؛ لأن الله تعالى أمر بها للمساكين، وخصّهم بها ، فلا تدفع إلى غيرهم؛ ولأن القدر المدفوع إلى كل واحد من الكفارة قدر يسير، يراد به دفع حاجة يومه في مؤنته ، وغيرهم من الأصناف لا تندفع حاجتهم بهذا؛ لكثرة حاجتهم، وإذا صرفوا ما يأخذونه في حاجتهم، صرفوه إلى غير ما شرع له. اهـ.
وأما ضابط الفقر والمسكنة: فقد بينه النووي بقوله في منهاج الطالبين: الفقير من لا مال له، ولا كسب يقع موقعا من حاجته... والمسكين من قدر على مال، أو كسب يقع موقعا من كفايته، ولا يكفيه. اهـ.
وعليه؛ فلا إشكال في جواز إعطاء الكفارة، أو الفدية الواجبة عليك لمن اعتدت التصدق عليهم إذا كانوا فقراء أو مساكين مستحقين للزكاة، واعتيادك التصدق عليهم ليس مانعًا من إعطائهم الكفارة.
وأما إذا لم يكونوا من الفقراء أو المساكين، فلا يجزئ دفع الكفارة لهم، وعلى المكفِّر أن يتحرى عند دفع الكفارة، فلا يدفعها إلا لمن علم أو غلب على ظنه أنه من مصارفها.
جاء في كشاف القناع للبهوتي: وَالْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَعْلَمُهُ، أَوْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، لَمْ تُجْزِئْهُ، إلَّا لِغَنِيٍّ، إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا.. اهــ.
والإطعام الواجب عن الصيام يجوز صرفه إلى مسكين واحد، قال ابن مفلح في الفروع: ويجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة. اهـ.
وأما الكفارة المحددة بعشرة مساكين، أو ستين مسكينا: فلا يجوز صرفها إلى أقل من ذلك عند جماهير العلماء.
جاء في المغني لابن قدامة: المكفر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم، أو لا يجدهم، فإن وجدهم، لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين، ولا أقل من ستين في كفارة الظهار، وكفارة الجماع في رمضان، وبهذا قال الشافعي، وأبو ثور، وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد، وقال أبو عبيد: إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة، جاز؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع في رمضان، حين أخبره بشدة حاجته وحاجة أهله: أطعمه عيالك ـ ولأنه دفع حق الله تعالى إلى من هو من أهل الاستحقاق، فأجزأه، كما لو دفع زكاته إلى واحد، وقال أصحاب الرأى: يجوز أن يرددها على مسكين واحد في عشرة أيام، إن كانت كفارة يمين، أو في ستين، إن كان الواجب إطعام ستين مسكينا، ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد، وحكاه أبو الخطاب، رواية عن أحمد؛ لأنه في كل يوم قد أطعم مسكينا ما يجب للمسكين، فأجزأ، كما لو أعطى غيره، ولأنه لو أطعم هذا المسكين من كفارة أخرى، أجزأه، فكذلك إذا أطعمه من هذه الكفارة، ولنا، قول الله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين ـ ومن أطعم واحدا، فما أطعم عشرة، فما امتثل الأمر، فلا يجزئه، ولأن الله تعالى جعل كفارته إطعام عشرة مساكين، فإذا لم يطعم عشرة، فما أتى بالكفارة، ولأن من لم يجز الدفع إليه في اليوم الأول، لم يجز في اليوم الثاني، مع اتفاق الحال، كالولد. اهـ.
والله أعلم.