عنوان الفتوى : إذا تلفت السيارة المستعارة فهل يضمنها؟
استخدمت سيارة أخي؛ لأنه كان خارج البلاد، وهي في الأصل مملوكة للكفيل، وكانت سيارتي بها عطل، وللأسف حدث حادث جسيم، وانقلبت السيارة، تكفلت بإصلاح السيارة، وأعطيت لأخي سيارتي بعد عودتة إلي قطر لاستخدامها، واتفقت مع الكفيل ـ مالك السيارة ـ ،بشراء سيارته بعد إصلاحها، نظرا لانخفاض قيمة السيارة السوقية بعد الحادث. السؤال: هل يجب علي شراء سيارته حتي بعد تصليحها نظرا لأنني المتسبب؟. وإذا اعطيتا جزءا مقدما من سعر السيارة لحين تدبير باقي المبلغ تصبح السيارة ملكا لي، ويحق لي استخدامها، أم تظل في حوزته لحين سداد كامل مبلغ السيارة؟
الحمد لله.
بداية نود التنويه إلى أن مثل هذه القضايا التي هي محل تنازع بين أطراف عدة يحتف بها أمور لا يمكن معرفتها إلا بالسماع من الطرفين؛ لذا فإن الإجابة فيها تكون من باب التأصيل الشرعي العام، ولا يلزم منه تنزيلها حكماً على الواقعة، فما حصل بينكم من منازعة تحتاج إلى جهة ترتضونها حكما، وتستمع من الطرفين، أو تنهون الأمر بينكم صلحاً، وهو الأنسب غالباً في مثل حالتكم.
وما يتم تأصيله وتقريره في الجواب، هو لمعرفة أصل الحكم الشرعي، وليس لقطع النزاع في هذه الخصومة المعينة.
وعليه نقول:
أولاً:
اختلف العلماء في حكم العارية، فذهب بعضهم إلى أنها مضمونة بكل حال، وذهب آخرون إلى عدم ضمانها، وتوسط آخرون بأنها غير مضمونة إلا إذا اشترط المستعير عدم الضمان، أو اشترط المعير الضمان.
قال ابن هبيرة رحمه الله: "اتَّفقُوا على أَن الْعَارِية، وَهِي إِبَاحَة الْمَنَافِع بِغَيْر عوض: جَائِزَة، وقربة مَنْدُوب إِلَيْهَا...
ثمَّ اخْتلفُوا فِي ضَمَانهَا:
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أَمَانَة غير مَضْمُونَة، مَا لم يَتَعَدَّ مستعيرها، كَالْوَدِيعَةِ.
وَقَالَ مَالك: هِيَ كَالرَّهْنِ؛ فما كَانَ مِنْهَا يُغَاب عَنهُ [ كذا، والصواب: يغاب عليه]، ويخفي هَلَاكه كالثياب والأثمان: ضُمن. وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يخفي هَلَاكه كالأدر [كذا، والصواب: كالدار] وَالْحَيَوَان: لم يضمن.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ مَضْمُونَة بِالْقَبْضِ بِكُل وَجه وَإِن تفي بِشَرْط ضَمَانهَا ضمنهَا أَيْضا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهب الشَّافِعِي، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن شَرط" انتهى من "اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة" (2/ 3).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية الرواية الثانية عن أحمد، وهي الضمان إذا اشتُرط.
قال المرداوي رحمه الله: "وعنه-أي عن الإمام أحمد-، يضمن إن شرطه، وإلا فلا. اختاره أبو حفص العكبري، والشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق ""انتهى من "الإنصاف" (15/92).
وجاء في الموسوعة الفقهية "لا خلاف بين الفقهاء في أن العارية إن تلفت بالتعدي من المستعير فإنه يضمنها، لأنها إن كانت أمانة كما يقول الحنفية: فالأمانات تُضمن بالتعدي.
ومذهب المالكية كذلك [يعني: أنها لا تضمن]، فيما لا يغاب عليه، أي لا يمكن إخفاؤه، كالعقار والحيوان، بخلاف ما يمكن إخفاؤه، كالثياب والحلي فإنه يضمنه، إلا إذا أقام بينة على أنه تلف أو ضاع بلا سبب منه، وقالوا: إنه لا ضمان في غير ما ذكر.
وعند الشافعية والحنابلة: يضمن المستعير بهلاك الشيء المعار، ولو كان الهلاك بآفة سماوية، أو أتلفها، هو أو غيره، ولو بلا تقصير.
وقالوا: إن تلفت باستعمال مأذون فيه، كاللبس والركوب المعتاد: لم يضمن شيئا، لحصول التلف بسبب مأذون فيه" انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (5/189).
وعليه؛ فالمسألة من مسائل الاجتهاد، وفيها خلاف معتبر بين أهل العلم؛ ومن ذهب إلى أحدهما لم يلزم الآخر بما ذهب إليه؛ فإن اختصما، وكل يتمسك بقول، حكما بينهما من يرتضيانه من أهل العلم والدين، وعملا بقوله.
ثانياً:
لا يلزمك ، من حيث الأصل ، أن تشتري السيارة التي تسببت في تلف شيء منها، أو تعيبه ؛ لكن غاية ما يلزمك أن تصلح ما تضرر منها بسبب الحادث ، ثم يلزمك أن تردها ومعها أَرْش العيب ، وأرش العيب: هو الفرق بين قيمتها قبل أن يصيبها الحادث، وقيمتها الآن بعد تصليحها.
وإذا تصالحتم على شراء السيارة بعد الحادث فهذا جائز، وباب الصلح في هذه الأمور أفضل وأبرأ للذمة، لقوله تعالى (والصلح خير) وهذا عام في كل أبواب المنازعات.
قال القرطبي رحمه الله: "(والصلح خير) لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق" انتهى من "تفسير القرطبي" (5/ 406).
وإذا تصالحتم على أن تشتري السيارة من صاحبها، ودفعت قسطاً من ثمنها : فقد صارت ملكا لك، تملك الحق في استخدامها وبيعها، وكل ما يترتب على الملكية، وليس من حق البائع أن يحتفظ بملكيتها له، ولا أن تبقى باسمه؛ لكن غاية ما يملكه أن يرهنها إلى أن تنتهي من دفع ثمنها، فيمنعك من بيعها لغيره، أو هبتها له؛ فهذا جائز إذا كان مشروطاً في الاتفاق بينكما .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |