أرشيف المقالات

زلة لسان أهلكت إنسانا

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
زلة لسان أهلكت إنسانًا!
 
في يومٍ من الأيام أثناء مرورِ أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه على درسٍ لحَبْرٍ مِن أحبارِ اليهود، وَجَدَ اليهودَ يصطفُّون حوله ويستمعون له، فقال له الصدِّيق: "اتَّقِ اللهَ وأَسْلِم، فوالله إنك لتعلَمُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، قد جاءكم بالحقِّ مِن ربِّكم، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة، فآمِنْ وَصَدِّق، وأَقْرِض اللهَ قرضًا حسنًا يدخلْك الجنةَ، ويضاعفْ لك الثواب".
 
فقال ذلك الحَبْرُ - بالرغم مِن أنَّه يعلم أنَّ اللهَ هو الغنيُّ سبحانه وتعالى، ويعلم أنَّ الزكاةَ أو الصدقة هي اختبارٌ للغَنيِّ في ماله، كما أن الفقرَ اختبارٌ للفقير في صبره، ولكن حتى يحاول أن يبيِّنَ خطأً في كلام أبي بكر -: "يا أبا بكر، تزعم أن ربَّنا يستقرِض أموالَنا، وما يستقرض إلا الفقيرُ من الغنيِّ، فإنْ كان ما تقول حقًّا، فإنَّ الله إذًا لفقيرٌ ونحن أغنياء، ولو كان غنيًّا، ما استقرض أموالَنا".
 
فنزلت في هذا الموقف الآية التي قرأْتُها في وِرْد اليوم حين قال تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181].
كم كانت تلك الكلمة التي ما قيلت إلا لكسب جدال، كم كانت عظيمة عند الله وعند المؤمنين!
 
ذكَّرَني ذلك بكثيرٍ من النقاشات التي تدور بيننا، فنتفوَّه فيها بكلماتٍ لا تليق، نقولها مزاحًا أو سخريةً، وقد تكون تلك الكلمةُ المكَوَّنةُ من بضعةِ حروفٍ عظيمةً عند الله دون أن ندري.
 
ولذلك حذَّرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم قائلًا: ((وإنَّ العبدَ لَيتكلَّمُ بالكلمة مِن سَخَط الله، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنَّم)).
فذلك يحتِّم علينا أن نتحرَّى كلماتِنا قبل أنْ ننطقَها، ولا نجعلَها تجري على اللسان، إلا إذا كانت تُرضي الرحمن.
 
وهذا كان حال النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما نُقِلَ لنا: كان طويل السكوت، لا يتكلَّم في غير حاجةٍ، وكان لا يتكلَّم فيما لا يعنيه، ولا يتكلَّم إلا فيما يرجو ثوابَه.
 
وهو عليه صلوات الله وسلامه مَن أوصانا: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُل خيرًا أو ليصمت))؛ لأنه حريصٌ علينا، ويعزُّ عليه أن تمسَّنا النارُ ببضعةِ حروفٍ، ولأنه يعلم بعِلْمِ الله أنَّ أكثر ما يُدخِل الناسَ النارَ الفمُ والفرجُ.
 
وفي نفس الوقت يسوق لنا البُشرَى لمَنِ استطاع أن يتحكَّم بهما قائلًا: ((من يضمنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رجليه، أضمنْ له الجنة)).
ألا تحب أن تنال ذلك الفضلَ؛ أن تعيش في الدنيا سعادةَ أهلِ الجنة، ويضمنها لك النبيُّ في الآخرة؟!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١