أرشيف المقالات

وهن الجسم

مدة قراءة المادة : 50 دقائق .
وهن الجسم


يُجْهز المشيب على المرء فينال منه، ويستمر في نَهْش عظمه ولحمه، حتى يطويه ويرديه..
يقول ابن الأثير: "العيش كل العيش في سِنِّ الحَداَثة، وما يأتي بعدها، فلا يدعى إلا بسن الغثاثة، وليس بعد الأربعين من مصيف للذة ولا مربع، وهي نهاية القوة الصالحة للطبائع الأربع، فإذا تجاوزها المرء أشرفت ثمار عمره على خرصها، وصارت زيادته كزيادة التصغير، التي هي زيادة تدل على نقصها، وأصبح بعد ذلك يدعى أباً، بعد أن كان يدعى ابناً، وتقمص ثوباً من المشيب لا يجر ثوبه خيلاء، ولا يزدهي به حسناً"[1].

وليس هناك أوفي ولا أعم، ولا أصدق من القرآن الكريم، في تصوير حال المرء، من مهده إلى لحده، قال جل شأنه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54] [2]، وقال تعالى - أيضًا -: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68] [3]، ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [الحج: 5] [4].

آيات بينات تؤكد على ورود الإنسان حياض الضعف والعجز بعد الفتوة والقوة والنشاط، للعظة والاعتبار، والإخبار عن هذه الدار، بأنها دار زوال وانتقال لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل: أَفَلَا يَعْقِلُونَ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثم إلى الشيخوخة ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.
[5]

ولما أن استحكمت أعراض المشيب، وتمكنت مظاهره بقلب الإنسان وقالبه - أخرج آهاته، وأبان عن تأوهاته، في صورة شكوى مصورة خلجات النفس، وما انتقش بها، " ولا شك في أن الشكوى حاجة نفسية ملحة في كثير من الأوقات، فعن طريقها يتخفف المرء من أثقال همومه، ودفين آلامه، بما يطلقه من صيحات التشكي، وصرخات التظلم، وهي أخيرا دلالة واضحة على أن الإنسان لم يعد في طاقة نفسه أن تتحمل أكثر مما تحملت وأن تتجمل أبعد مما تجملت.
" [6]

ولا بد من الشكر قبل الشكوى، بيانًا للرضا بقضاء الله - تعالى - وقدره قال عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه -: " إذا كان الشكر قبل الشكوى، فليس بشاك." [7]، وينبغي كذلك، أن تكون الشكوى إلى الله لا شكوى الله، قال تعالى على لسان سيدنا يعقوب - عليه السلام - ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86] [8]، أما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطلعنا على طريقة والشكوى، وكيفيتها بقوله: " اللهم إليك اشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس..
" [9].

وها هو الغزال - وقد أخذ الوهن من جسمه مأخذه "..
يشكو الزمن نفسه، وما صنع بجسمه، بشعر لطيف، وعبارات ساخرة حادة، ومعان مبتكرة بديعة، كقوله: [10][ من الطويل ]






أَلَسْتَ تَرَى أنّ الزَمانَ طَوَاني
وَبَدّلَ خَلْقِي كُلّهُ وَبَرانِي


تَحّيفَنِي عُضْوًا فَعُضْوًا فَلَمْ يَدَعْ
سُوَى اسْمِي صَحِيحًا وَحْدَهُ ولِسَاِني


وَلَوْ كَانِتِ اْلأَسْمَاءُ يَدْخُلُها البِلَى
لَقَدْ بلي اسْمِي لامتدادِ زَمَانِي !


وَمَا لِيَ لاَ أَبْلَي لِتِسْعِين حِجّةً
وسَبْعِ أَتَتْ مِنْ بَعْدِها سَنَتان


إذا عَنّ لي شَخْصٌ تَخَيّلَ دُونه
شَبِيهَ ضَبابٍ أَوْ شَبِيهَ دُخَانِ !


فيا راغبًا فِي العَيْشِ إِنْ كُنْتَ عَاقِلا
فَلاَ وَعْظَ إلا دُون لَحْظِ عِيَانِ !






يطلب الغزال من كل مغرور منكب على زخرف الدنيا، وغرورها الاتعاظ به والاعتبار، فقد طواه المشيب، وأبلى جدته، وعجز الطبيب عن مداواته، ورد بهجته ونضارته، فلم يبق له، من كل رطب وحبيب، وثوب الشيبة القشيب، سوى اسمه ولسانه.

وتحتوي هذه المقطوعة على صور مبتكرة دقيقة، فـ " تسرب البلى إلى الاسم صورةٌ فريدة في الأدب العربي، لا نعرف أحدا سبق بها الغزال، ذلك الشاعر الأندلسي المحلق في الخيال.
" [11]
وهكذا يمضي الغزال قدما في تصوير وهنه، وتردي حاله، على يد المشيب - في أكثر من حديث - [12] حتى صار عبرة لكل أواه حليم.

ومما يعزي هؤلاء الشيب في مصابهم، ما رواه الإمام أحمد: "حدثنا أنس بن عياض...
عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مُعَمَّر يُعَمَّرُ في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون، والبرص، والجذام، فإذا بلغ الستين، رزقه الله الإنابة، يحبه الله عليها، وإذا بلغ السبعين أحبه الله، وأحبه أهل السماء، وإذا بلغ الثمانين، تقبل الله حسناته، ومحا عنه سيئاته، وإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسمي أسير الله في أرضه، وشفع في أهله".
[13]

وفي اختلاف الصورة بين شباب الشاعر ومشيبه، يقول الدكتور إحسان عباس: " تلك هي النهاية، التي انتهى إليها الغزال في الشعر، أما بدايته، فكانت بصرا نافذا بالنقد في شبابه، أيام كان يدرس في مسجد قرطبة، وعبثا لاذعا بمن حوله من الأشخاص، الذين لا يعجبونه، ومحاكاة لأبي نواس، في خمرياته ومجونه، وهجاء مقزعا، وغزلا لا يتميز بالرقة، وربما كان أضعف فنونه، ثم حكمة قائمة على السخرية، تنتهي إلى فلسفة شكية مريرة متشائمة، ورثاء لشيخوخته وضعفه" [14].

ويتحسر ابن هانئ، وقد آده المشيب، وأهانه الدهر، بالإتيان على فتاءته وبهائه ونضارته.
فقد بددا شمله، وأجهزا على طيب روحه، وجل أعضاء جسمه، حتى نفرت الحسان، وضاعت الأماني، وماتت الآمال، فيقول: [15] [ من البسيط ] 






وكُنْتُ قَنّاصَها أيَّامَ أذْعرها
غِيْدَ السَّوالف في أيّامي الغِيدِ [16]


إذ لا تبيتُ ظِبَاءُ الوَحْشِ نافِرةً
ولا تُرَاعُ مهاةُ الرَّمْلِ بالسِّيدِ [17]


لا مِثْلَ وَجْدِي برَيْعان الشباب وقد
رأيْتُ أُمْلُودَ غُصْنِي غَيْرَ أُمْلُودِ [18]







إلى أن يقول:
ورَابَنِي لَوْنُ رَأسِي إنه اختلفت ♦♦♦ فيه الغَمَائِمُ مِنْ بِيضٍ ومِنْ سُودِ
 
أقام الرجل مفاضلة بين حالتي شبابه ومشيبه، حيث كان يصيد الحسان أما الآن، فقد وهت الأركان، وصار بلا هيبة وسلطان، حتى على روحه وأركانه، فازداد حزنه واشتد أسفه على شبابه، وعَظُم ضِيقه بمشيبه الذي بدد شمله، وهصر ماء غصنه.
ومراده بظباء الرمل، ومهاة الوحش، الفتيات الحسناوات، وبالسيد نفسه، أيام شبابه، وب- " الغمائم من بيض ومن سود " اضطرام نار المشيب في فحم نضارة الشباب، أو ظهور بياض الشيب في سواد الشعر.

ومعنى البيت الثاني يدور حول معنى قول أبي تمام: [19]
أَلَمْ تَرَ آرامَ الظباء كأنّما ♦♦♦ رَأَتْ بِي سِيدَ الرَّمْلِ والصُّبْحُ أدْرَعُ ؟
وبهذا التصوير ومثله تتجلى قدرة الشعراء، الذين يتميزون برهافة حسهم، وتوقد أذهانهم - على نقل أحاسيس الشِّيب، ومشاعرهم تجاه المشيب، بآلامه، وأسقامه للجميع.

وهذا الإلبيري (ت.
460 هـ )، يصور تثاقل خطاه، وشحوب وجهه، وخفة أو نقص لحمه، على يد خصمه.
المشيب، بعد الفتاءة والقوة والنضارة حيث مالت شمس أفقه للغروب، وغازله الموت من قريب، إنها الأقدار، والآجال، التي جاءت بجنود مزودة بالأوجاع والأتراح، مؤيدة من علام الغيوب - سبحانه وتعالى -، فيقول: [20] [ من الوافر]






تُغَازلُني المَنِيَّةُ مِنْ قَريب
وتلحظُني مُلاَحظةَ الرّقيبِ


وَتَنْشُرُ لِي كِتابًا فيه طيِّ
بِخَطِّ الدَّهْرِ أسطرُه مَشِيبي


كِتابٌ فِي معانيهِ غُمُوضٌ
يَلُوحُ بِكُلِّ أَوّابٍ مُنِيبِ


أرى الأعصار تَعْصِرُ مَاءَ عُودِي
وقِدْمًا كُنْتُ رَيّانَ القَضِيبِ


أدَالَ الشّيْبُ يَا صاحِ شَبَابِي
فَعُوِّضْتُ البَغِيضَ مِنَ الحَبيبِ [21]


وبدلتُ التثاقُلَ مِنْ نَشَاطِي
ومِنْ حُسْنِ النَّضَارةِ بالشُّحُوبِ


كَذاكَ الشّمْسُ يَعْلُوها اصْفِرَار
إذا جَنَحَتْ ومَالَتْ لِلْغُرُوبِ


تُحَارِبُنَا جُنُودٌ لا تجارَى
ولا تُلْقى بآساد الحُرُوبِ


هي الأَقْدَارُ والآجالُ تَأْتِي
فَتنزل بالمُطَبَّبِ والطَّبِيبِ


تُفَوِّق اسْهُمًا عَنْ قَوْسِ غَيْبٍ
وما أغراضها غيرَ القُلوبِ


فأنَّى باحتراسٍ من جُنُودٍ
مؤيدة تمد من الغيوب






 
لطول تأمل الشاعر في الحياة الدنيا وخداعها للمفتون بزخرفها، فإذ به، يذكر بالمنية والمشيب، وقدرتهما على ملاحقة الناس، فلا يمكن الاحتراس من جنودهما، وخاصة المنية التي تغازل بالإيقاع في الشباك، وتقع بالجميع الشباب والشيب، الطبيب والمريض، مصورا حال الشيب في خريف العمر، بالشمس مصفرة، إذا مالت للغروب.
ولابن زيدون - أيضًا - ت 463 هـ ) تصوير رائع لمآله بعد المشيب.
[22]
إذًا هناك من يرضى عن المشيب بعد معاناة، ومن الناس من أقام على عداوته ليل نهار، مصرحا ببغضه لبياضه، وإن كان ذا شبه ببياض الصبح، فيقول الحمار [23]، متهما الدهر بالاعتداء على شبابه وفتوته: [24] [ من الوافر ]






تَخُطُّ يَدُ الزَّمانِ على عِذَاري
سُطُورا مِنْ حُرُوفِ الشَّيْبِ بِيضَا


فَأَبغضُها وإِنْ كانت كَصُبْحٍ
وَلَمْ أَرَ قَبْلَهَا صُبْحًا بَغِيضَا






 
وهذا محمد بن المعز [25]، يصور - مثل سلفه - ضجره من المشيب، والدهر، اللذين داهماه بما يكره، متحسرا على ليالي شبابه العذبة الرطبة ومعاهدها، طيبة الجنى وسيدة الآمال والمنى، فيقول: [26] [ من الطويل ]






وَطَارَ غُرَابٌ لِلشّبيبة رَاعَهُ
مُوَافَاةُ بازٍ لِلْمَشِيبِ تَلِيهِ


وَلَمْ أَنْسَ مِنْ لَيلِ الشَّبَابِ وظلِّهِ
أَثِيثَ جَنَاحٍ بَاتَ يُلْحِفْنِيهِ


وَعَهْدًا تَوَلَّى بِاللبَّانَةِ خِلْتُه
لِمَى الحِبِّ فِي أَفْواه مُرْ تَشِفِيهِ [27]






الخ الأبيات.
يتلذذ الشاعر بذكر ما يدعوه إلى التحسر على عهد الشباب، الذي كان ينعم به، كما يتلذذ المرتشف من سمرة الشفتين واللثات.
رأى الكثير من الشيب: أن المشيب باب من أبواب الوهن، والإحن والمحن، لذلك أداروا رحى الحرب عليه، وأوسعوه هجاء، وأثخنوه سبا وإقذاعا.
وقديما قالوا: " والذي بَقِىَ منه ذَمَاء،- يَرْقُبُه المَنُونُ بِمَرْصَد، وخُشَاشَةٌ هي هامةُ اليوم أو غد.
قد خلق عمره، وانطوى عيشه، وبلغ ساحل الحياة، ووقف على ثنية الوداع، وأشرف على دار المقام، فلم يبق إلا أنفاس معدودة، وحركات محصورة.
" [28]

وهذا عبد الغني بن طاهر [29]: يتمنى أن لو عَمِيَ طَرْفُه، قبل رؤية تبسم الشيب في عذاره ورأسه، حيث أقام على جمر الغضا، ونار الردى، فهو - أي الشيب - كالحية الخبيثة، تتلون، وتتجمل، وفي طيها الهلاك، ناقشة آثارها على من دمرته،- فيقول مبينا استحالة حبه للمشيب، بتشخيص عجيب: [ من الطويل ] [30]






تَبَسَّمَ شَيْبِي في عِذَارِي مَنكِّب
فَقُلْتُ لَه يَا لَيْتَ طرفيَ قَدْ عَمِي [31]


فقال: عَجيبٌ بُغْضُ مَنْ لاَحَ طالِعَا
كَصُبْحِ ولم يُظْهِرْ خِلاَفَ التبسُّمِ


ولم يَدْرِ أَنّ اللّيْلَ والوَيْلَ طيّهُ
وهَلْ هُوَ إِلاّ مِثْلُ رَقْمٍ بأَرْقَم [32]


تُرَانيَ أَهْواهُ وَقْد صار مَنْ به
أهيمُ إذا مَا مَرّ بي لَمْ يُسَلِّم






 
وهذا الأعمى التطيلي، يصور الصبا، فيئا، يبادره جريا وإصلاحا، وهو جدير بهذا، حتى إذا ما هيئه لمبيته، واستوى عليه قليلا، نأى عنه، عندئذ لم يتبعه، فهو الوقور، الذي لا يُضَعْضِعُه المشيب، ولا يروعه أمره المريب، بل أقام على التصدي له، وتأديبه، وتقويمه، فيقول: [ من الطويل ] [33]






كَأَنَّ الصِّبَا فيٌ أُبَادِرُ فَيْأَهُ
مَدَىَ وإنّما يَجْرِي إِلى مِثْلهِ مِثْلي


تَبَوّأْتُه مَا امْتَدّ لي فيه جانبٌ
فَلَمَّا نَأَى لم أَتَّبِعْ فَيْئةَ الظِّلِّ [34]


وَكُنْتُ إِذَا أبصَرْتُ مَوْضِعَ سَلْوَةٍ
تَخَيَّرْتُ فيه مَوْضِعًا وَمَعِي عَقْلي


جَديرًا بأنْ لا يَنْقُضَ الشَّيْبُ حَبْوتي
وَقَدْ بَاتَ مِنْهُ كُلُّ شَيءٍ عَلَى رِجْلِ






يصور الشاعر غلبته وسطوته، وقدرته على المشيب، وتجلده ورزانته، فلا يمكن أن يرثي، ويبكي فائتا أو ضائعا، وفي هذا ثناء منه على نفسه.
فالمشيب لدى كثير، وهن ونقصان، وليس ازدهارا في البنيان، ولذا فإن من الشعراء من يصور مدى وهنه، وضعفه، وتقويس ظهره، حتى لم يعد يرى إلا متكئا على عصاه، التي تعينه في أعماله وخطاه.
فيقول أبو علي، كاتب مؤنس [35]:
[36][من الوافر]






تَقَوّسَ بَعْدَ طُولِ العُمْرِ ظَهري
ودَاسَتْنِي الليَاِلي أي دَوْسِ


فَأمْشِي والعَصَا تَمْشِي أَمامي
كَأنّ قَوَامَها وَتَرٌ لِقَوْسِي






 
يشكو الشاعرُ المشيب، ويتعجب من شدة وكثرة تعدي الدهر وجوره عليه بقوله: " وداستني الليالي أي دوس "، ومراده " بالقوس" ظهره الذي تحدب، فصار يشبه القوس.

ولقد أجاد الشاعر هنا تصوير حاله، التي وصل إليها من جراء ما أصابه به الشيب: من الضعف والوهن، حتى تحدب ظهره، وصار كالقوس، وصارت العصا له وترًا وقَائدًا.

ويتناول جمع من الشعراء هذا المعنى،ومنهم أبو الحسن علي بن أحمد بن لبال اللأمي [37]، فيقول: [38] [ من المنسرح ]:






قَوّسَ ظَهْري المشيبُ والكِبَرْ
والدهرُ يا عمرُو كُلُّهُ عِبَرْ


كَأَنّنِي والعَصَا تَدِبُّ مَعِي
قَوْسٌ لَهَا وَهْيَ فِي يدي وَتَرْ







 
ويقول أيضًا: [39] [ من البسيط ]:






لما تَقَوّسَ مِنّي الجِسْمُ عِنْ كبَرِ
فابيض ما كان مُسْودًا مِنَ الشَّعَرِ


جَعْلَتُ أَمْشِي كأنِّي نِصْفُ دائرةٍ
تَمْشي عَلَى الأَرْضِ أو قَوْسٌ بِلاَ وَتَرِ






أتى المشيب على قوى أهله وبنيه، فكانت أقسى المعاناة، وهذه واحدة، من عبر الدهر وعجائبه.

ويتضح: أن الشاعر الأول أجود، وأعذب، حيث استطاع أن يجعلنا نتخيل الصورة، التي كان عليها من الضعف والوهن، بالإضافة إلى ما فيها من التشخيص، الذي جاء في قوله: " وداستني الليالي "، " والعصا تمشي أمامي ".
أما ابن لبال اللأمي، فقد مال إلى الأساليب المنطقية، في مثل قوله:
جَعَلْتُ أَمْشِي كأني نِصْفُ دائرةٍ ♦♦♦ تَمْشِي عَلَى الأَرْض أو قَوْسٌ بِلاَ وَتَرِ
 
وكان مروان بن عبد الله بن عبد العزيز [40]، في بستانه، يتوضأ للصلاة، فنظر إلى لحيته، وقد اشتعلت بالشيت اشتعالا، فأيقن بانهدام جسمه، وفناء غصنه وأنشد لنفسه ارتجالا: [41] [ من الطويل ]






وَلَمّا رَأَيْتُ الشَّيْبَ أَيْقَنْتُ أَنّهُ
نَذِيرٌ لِجِسْمِي بانْهِدام بِنَائِهِ


إذا ابْيَضّ مُخْضَرُّ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ
دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحصادِه وفَنَائِهِ






 
يرى الرجل: أن الشيب دليل انهدام بناء الجسم، كما أن بياض مخضر النبات دليل فنائه واستحصاده.
أما ابن حمد يس، فيعرض قضيتين خطيرتين: قضية بغض المشيب والكبر، نذير السُّقْم، وقائد الوهن، وقضية تودد الشيب إلى الغواني، مع العلم بنفورهن منهم، وبغضهن لهم.
فيقول موبخًا ومعنفًا: [42] [ من المتقارب ]






أرى الشَّيخَ يَكْرهُ في نَفْسِهِ
مَشِيبًا أفَاضَ عَلَيْه النهاراَ


فَكَيْفَ يُجشِّمَها طِفْلةً
يَطيرُ بها القَلْبُ عنه نِفارا


وعارٌ عَلَى الشّيخِ تقريبُهُ
فَتاةً تَرَى قُرْبةً مِنه عَارَا


وَقَدْ جُبِلَ الغَانِياتُ الصِّغارُ
عَلَى بُغْضهنّ الشيوخَ الكِبَارا






مال الشاعر إلى التوبيخ، والانكار، على من أبغض الذي لا بد منهـ المشيب ونتاجهـ، وعشق من علم ضيقه به، وهذا عيب عليه، وعار قائم بين يديه.
وكأن حديثه هذا لنفسه وشخصه، قبل عِدْله.

واجتمع أبو العرب بابن خفاجة، وسأله عن حاله، وقد بلغ إحدى وثمانين سنة، فصوره ابن خفاجة تصويرا يبعث على البكاء والأنين، إذ لم يعد يتلذذ بعيش، أو غذاء، ويستمتع بيقظة أو منام، وقد نحل غصنه وسقط ورقه، قائما بين ما يسوءه وما يسره، فيقول: [43] [ من الرمل ]:






أيّ عَيش ٍأو غِذاءٍ أو سِنَهْ
لابْنِ إحدَى وثَمَانينَ سَنهْ


قَلَّصَ الشَّيبُ به ظِلَّ امريءٍ
طَالمَا جرّ صِباه ُرسَنَهْ [44]


تارةً تَسْطُو به سيئة
تُسْخِنُ العَينَ وأُخْرى حَسنه






قارن الشاعر بين شبابه، وكثيرا ما جر فيه حبل التصابي، وبين مشيبه، الذي انضم وانزوى فيه ظله، وآل أمره - على يديه - إلى غيره.

وابن قزمان الأصغر [45]، كابن خفاجة، يقيم موازنه بين شبابه ومشيبه[46].
يلاحظ أن صغار السن كثيرا، ما يودون أن يجري بهم الزمان، ليعدوا في ركب الكبار ويشار إليهم بالبنان، وإذا ما شابوا، تمنوا أن لو عثرت بهم راحلة الزمان، فلم يبرحوا باب الشباب، إلى المشيب، الذي بات حجر عثرة وبوارا، وصار عند الحسان عارا وقارا، فيقول أبو بكر ابن المنخل - شلبي - : [47] [ من الكامل ]






إِنْ يَنْقَلِبْ لَيلُ الشَّبابِ نَهَارا
فَلَقَدْ أجَدّ بِنَا المَشِيبُ عِثَارا


فَوَدِدْتُ أنّ الليلَ أصْبحَ حاضرًا
عِنْدي وأن الصبحَ كان ضِمَارا [48]


كُنّا نَرَى أنّ المشيبَ جَلالةٌ
حَتّى لبسناه فكانَ بَوارَا


قَالُوا وَقَارٌ قُلْتُ واوٌ أُقْحِمَتْ
ما تُبْصِر الحسناء إلا قارا






تخوف الرجل من رحيل الشباب، حيث يحل برحيله المشيب، فتوهن القوى، وتتعثر الخطى، ولذا فإنه تمنى دوامه وحضوره، ورحيل خصمه - أي المشيب - بلا رجعة، فقد خاب ظنه، وظن غيره في أن للمشيب جلالةً ووقارًا، بعد أن تبين أنه بوار وخسران، وقار عند الحسان.

وهذا ابن مغاور [49].
يراه إنسان، يتوكأ على عصاه، فيهزأ به، ويسخر من وهنه وضعفه، وقد تقدم به سنه، والشيخ - ابن مغاور - يسأم من طول العمر، وحديث البشر فيقول مصورًا ذاك الحوار، وما علاه من أسى وأشجان [50]: [ من مجزوء الرمل ]






قَالَ لِي يَهْزأ - مَنْ لَمْ
يَتَوقّعْ ! مِنْ مَلامَهْ


إذ رأى كَفِّيَ دَأَبًا
بِعصَاها مُسْتَهامهْ


أَنْتَ واللهِ، صحيحٌ،
سَوْفَ تَبْقَى لِلْقيامهْ


قُلتُ دَعْني مِنْ مُحالٍ،
قَدْ شَكا الشَّيْخُ السَّآمهْ


كَيْفَ يُرْجَى لي بَقَاءٌ
وجِدارِي بِدُعَامهْ






حوار هادئ - ظاهريا، ولكن قلب ونفس ابن مغاور يحترقان منه - يجري بين عجوز عاجز عن الزود عن نفسه، وبين رجل - يبدو أنه ما زال في فتاءته وعنفوان مجده - مستهزيء، متناسيا، أن أمره سيئول إلى ما آل إليه أمر غيره .

وممن أسهم في تصوير حال النفس مع المشيب، ووصف ما يصيبها من ضعف وعجز، الزاهد " موسى بن عمران المارتلي " [51]، فيقول متسائلا، ومجيبا: [52] [ من البسيط ].






مَا حالُ مَنْ أَبْلتِ الأَيَّامُ جِدّتَه
وخانَه ثِقتَاهُ السَّمْعُ والبَصَرُ


حالٌ يُجَاوِب عَنْها مَنْ يُسائلها
عَيْنٌ فَحَسْبُكَ مَرْأَى العَيْنِ لا الخَبرُ







إلى أن يقول:
مَا لِي سوى اللهِ مِنْ مَوْلَى أؤمّلْهْ ♦♦♦ هو الرّجاءُ وإنْ أودى بي الضررُ
أبيات تصور أثر المشيب، وتأثير الزمن على عمود البدن وحواسه، فقد بلي الجسد، وخانه ثقتاه السمع والبصر، ومن أراد الاستفسار عن الحال، يكفيه انعام النظر فيه، وتصويبه، وفي الختام رجاؤه عظيم، في رب غفور، متجاوز عن الزلات، ساتر للعيوب والسيئات.

ونلحظ تأكيد الشعراء على ما يحل بالبدن من ضعف، خاصة ضعف السمع والبصر، وكأنهما مرتبطان ببعض، ومتلازمان، ومعنى هذه الأبيات، خاصة أول بيتين - من قول الغزال: [53] [ من مشطور الرجز ]
تَسْأَلني عَنْ حَالتي أمُّ عُمَرْ ♦♦♦ وهي تَرَى ما حَلّ بي مِنَ الِغيَرْ..
الخ
 
كثيرا ما يُمَنِّي الزمان بنيه، فإذا ما اطمئنوا إلى وعده وأمانيه، وأصبحوا في قبضته، نزلت بهم نكبته، وتم تشريده لهم، فميزانه بين نقصان وتطفيف، واستقامته بين غدر وتحريف، فمكافأة نهاية الخدمة منه: ذل بعد عزة، وسقم ووهن، بعد صحة وعافية، فيقول ابن عربي: [54] [ من البسيط ]






مَنْ عَزّ ذلّ إذا طَالَ الزَّمَانُ به
وآيةُ الدَّهْرِ تَقْليبٌ وتَصْرِيفُ


مِيزانُه ما لهُ عدلٌ يُشَاهِدُهُ
وإنّما هو نُقْصانٌ وتطفيفُ


فَلَيس يَفْرحُ شَخصٌ باستقامته
إلاّ وَمِنْ حِينِه يَأْتيه تَحْرِيفُ






 
وهذا " ابن صاحب الصلاة " [55]، يأتي على هذا المعنى، موضحا تقلب الزمان بأهل الفضل، وعظم ابتلائهم، وارتفاع سعر أهل النقائص والدنايا، وكثرة تمويله لهم، والسعي لكسب ودهم، فكان هذا من أهم بواعث شيبه، وظهور عيبه، فيقول: [56] [ من الطويل ]






وعَجّل شَيْبيَ أَنَّ ذَا الفَضْلِ مُبتلَى
بِدَهْرٍ غَدا ذو النقص فيه مؤملا


وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيا على الحُرّ أن يرى
بِها الحُرَّ يَشْقَى واللئيمَ مُمَوّلا







يذكر البيت الأخير يقول المتنبي: [57]
ومِنْ نَكَدِ الدُّنْيا عَلَى الحُرّ أن يرى ♦♦♦ عَدُّوًا لَهُ مَا مِنْ صَدَاقتهِ بُدُّ
 
مما سبق يتضح لنا: وجود تكرار لصورة خيانة الدهر، وغدره بأهل الفضل، لدى كثير من الشعراء عند حديثهم عن المشيب، وفضح ما يجلبه للشِّيب، وما يُلْحقه بهم من ضعف وهوان، وكأن امتداد العمر بهم: جعلهم متبرمين بالزمان، ناقمين عليه، وعلى أعوانه من بني الإنسان، وفيه تشخيص للدهر، وإسناد بعض النفوذ والسيطرة إليه، فهو لا يُقَلِّبُ ليخصب، بقدر ما يقلب ليخرب [58].
ويصيب في مقتل.
يبتسم المشيب في الرأس، فتتجهم النفس، ويحل الحزن، ويدب الكسل والعجز، فيحس الإنسان بتضاعف آلامه، وموت آماله، ودنوا أجله وقرب رحيله.
وهذا يوسف الثالث - ملك غرناطة ( ت.
727 هـ ) - يصور ضيقه بالمشيب، الذي ألبسه ثوبا من الحزن، لا يفنى ولا يبلى، وفت كبده مطالبا بتركه ليمضي حيث شاء، فهو متجلد له، متربص به، لإرغامه، وإذلاله، فيكون تابعا وأسيرا، لا متبوعا ولا كريما.
فيقول: " ومن المقطوعات، المستملحات قولي - وقد قلت لبعض الأصحاب عقب فكاهة لوذعية، أنكرتها على نفسي -: ما رأيت ضيفا أهون ولا أهضم لدي من هذا الشيب، الذي عاجلني، فقال لي: هو " أعني الشيب " جنى على نفسه، فإنه طرقك على غفلة، وفي غير وقته، الذي يستعد لكرامته " [59] [ من البسيط ]






حَلّ المّشِيبُ بفودي فَأَلْبسنِي
ثَوْبًا مِنَ الوَجْدِ لا يَفْنَى على الأَبَدِ


قَدْ كُنْتُ لِلزَّور مرْتحا إذا طرقوا
إلا المَشيبَ فَفَتَّ زَوْرُه كَبِدِي[60]


دَعُوه يَمْضِي كَمَا شَاءَتْ إرادته
سأعمل الجُهْدَ فِي إِرْغَامِهِ بِيَدي






يتضح لنا اعتداد الشاعر بقوته وقدرته، ونفوذه وسطوته وغلبته، منتقصا من جند المشيب ومظاهره.

" وأبو الحسن الأحيمر" [61]، يصور خوفه من المشيب، على أعز وأبهى حبيب - الحب - أو الشبيبة فلا عدل لهما، ومن بواعث بغضه المشيب إظهاره ما يهوى قبيحا، وملئه عينه عيوبا، فيقول طالبا التلذذ بالبكاء والتحسر على الحب والشباب: [62] [ من الوافر]






أرَى لَكَ فِي الهَوَى نَظرًا مُريبا
كأنَّ عَلَيْكَ عَاذِلًا أو رَقيبَا


وَلَسْتُ بخائفٍ في الحُبِّ شيئْا
على نفسي مخافتي المَشِيبا


يُرِيني كُلَّ ما تهواه نَفْسي
قَبيحا مالئًا عَيْنِي عُيُوبا


أَنَّى منه ابن قيس لا بَرَاح
فَذُقْ مُرَّ التَّأَسُّفِ مُسْتَطِيبا


إذا مَاكُنْت تَبْكي فَقْدَ حِبٍّ
فَمَا مِثْلُ الشَّبَابِ تَرَى حَبِيَبا






 
وهذا " محمد بن محمد " بن يحيى بن الحكيم اللخمي، أبو القاسم [63]، مثل سابقيه يصرخ معترضا على المشيب، الذي سرق صباه، متمنيا اختفاءه، مخبرا بتربصه، لقتله، وقطع نسله، وتتبع أتباعه وأشياعه، فهو الكاره لخضابه، المجتهد في نزع بياضه بالمقراض، فيقول: [64] [ من الكامل ]






ليلُ الشَّبابِ انْجابَ أَوَّلَ وَهْلَةٍ
عَنْ صُبْحِ شَيْبٍ لَسْتُ عَنْهُ بِراضِ


إِنْ سَرّني يَوماَ سَوادُ خِضَابِه
فَنُصولُه عَنْ ساقِه بِبَياضِ


هَلاّ اخْتَفَى فَهُوَ الذِي سَرَقَ الصِّبا
والقَطْعُ في السّرِقَاتِ أمْرٌ ماضِ


فعليه ما اسْطاعَ الظُّهورَ بلمتي
وعَلَيَّ أَنْ أَلقَاهُ بِالمِقْراضِ






 
وكأن من سبق من الشعراء في هذا المبحث، وضعوا مقدمة لمن بعدهم، وتذييلا لمن سبقهم، في بغض المشيب، جالب الوهن، والأسقام، ومروع أعز الأحباب - الشباب - الذين يجب عليهم ألا يستسلموا وألا يرفعوا الراية له.
أما " محمد بن علي بن هانئ اللخمي " [65]، السبتي ( ت.
733 هـ )، فيتعجب بل يتحسر من انحناء ظهره بالمشيب، وذبول الينع المزهر من غصنه الرطيب، ويتوجع من طرد المشيب الشباب، وأمره التصابي بالفراق، وغروب شمسه بلا إياب.
فيقول: [66] [ من البسيط ]






ظَهْرِي انْحَنَى لِمَشيبٍ لاَحَ واعجبا
غَضٌّ إِذا أَيْنَعَتْ أَزْهَارُهُ ذَبُلا


أَذَاَكَ أَمْ زُهَرٌ لاَحَتْ تُخَبِّرُ أنْ
يَومَ الصِّبا والتَّصابي آَنَسَ الطَّفَلا [67]






 
وهذا أبو حيان الأندلسي ( 652 - 743 هـ )، أو ( 654 - 753 هـ )، يعلن عزوفه عن الغواني، بمصارمتهن له إثر هجوم مشيب، أحدث ضعفا في قواه، وأورث قلبه مخاوفا وأوجاعا، مبينا توبته، ورجاء مغفرة الغفور ورحمته، فكان له سبحانه وتعالى، الحمد والمنة إذ أخره حتى أكرمه بكسوته سربالا من عنايته وطاعته، فيقول: [68] [ من البسيط ]






قَدْ كانَ هَذا وريعانُ الشّباب لنا
غَضٌّ وطَرْفُ الصِّبا في حَلْبٍة جَالاَ


والآنَ أَحْدثَ شَيْبي فِيَّ ضعفَ قوى
وأوْرَثَ القَلْبَ أَوْجَاعًا وأَوْجَالا


وصَارَمَتْني وصَارَمْتُ الغواني لا
يَحْفلْنَ بِي كلها في وُدِّه حالا


وتبت لله أرجو منهُ مَغْفِرةً
ورَحْمةً تُوسِعُ المِسْكِين إفْضَالا


فالحمدُ لله إذْ لَمْ يِأْتِني أَجَلي
حتى اكْتَسيت من الطاعات سربالا






 
مَنَّ الله تعالى على هذا الرجل بالتوبة والصلاح بعد سوء وطلاح، وعيش في لهو ومزاح، فمل الحياة، وملت منه بعد تقارب خطو وانحناء، وضعف لحظ، وآلام وأسقام، معلنا فضل ربه عليه، إذ لم يأخذه إلا وهو على حياض رحمته، وفي رياض أنسه وطاعته.

لقد صور شعراء هذا المبحث مدى بغضهم للمشيب، الذي نفر منهم الغواني وهد قواهم، وأورثهم الوهن والسقم، وضيع الأماني والآمال، ذاهبين كل مذهب في بيان سطوة الدهر، وتنصيبه لهم العداء، ونصبه فخاخ الخيانة،- والغدر والبلاء، وكأن المشيب جزء من عداء الدهر، ورزية من رزاياه، لذلك فإن الشعراء قد أوسعوا هذا الفن تصويراً، تنفيساً، أو عظة وتقويما لأنفسهم وذويهم.

ويتضح أن من أفاض في بيان أثر المشيب: من ضعف المنة، واعتلال الصحة، وجاء في هذا بصور رائعة، كاشفة عن مشاعره، وأحاسيسه المكلومة - ممن عدا عليه الزمن، وتقدم به السن.




[1] انظر المثل السائر لابن الأثير ق 1 صـ 110 تقديم وتحقيق د / أحمد الحوفي، د / بدوي طبانة.
دار نهضة مصر د.
ت، الشباب والشيب...
د / عبد الرحمن هيبة حـ 1 / 71، 72.


[2] سورة الروم: 54 وانظر في تفسيرها، تفسير ابن كثير حـ 3 / 697.


[3] سورة يس: 68.


[4] سورة الحج: 5.


[5] انظر تفسير ابن كثير حـ 3 / 902.


[6] انظر الشباب والشيب.
د / عبد الرحمن هيبة حـ 1 / 73، 74.


[7] انظر " فقه السنة " للسيد سابق حـ 1 / 246.
دار الفتح للإعلام العربي ط 11، 1414 هـ = 1994 م.


[8] سورة يوسف: 86.


[9] انظر " مختصر سيرة ابن هشام حـ1/ 258، 259، ط1 المجلس الأعلى للشئون الإسلامية1422هـ=2002م


[10] انظر ديوان الغزال.
تحقيق د / الداية صـ 79، وبتحقيق د / البنداق صـ 208، العقد الفريد حـ 3 / 58، وفيه" وما لي لا أبلي لسبعين حجة، إذا عن لي شيء، دراسات في الأدب الأندلسي د/ عثمان محمد العبادلة صـ153.


[11] انظر دراسات في الأدب الأندلسي د / عثمان محمد العبادلة صـ 154.


[12] انظر في هذا: ديوانه، ومنه قوله، والذي أوله: [ من شطور الرجز ]: [ تسألني عن حالتي أم عمره..وهي ترى ما حل بي من الغير ] " ديوانه، بتحقيق د / الداية صـ 47، 48، وبتحقيق د / البنداق صـ 190، 191، دراسات في الأدب الأندلسي د / عثمان محمد العبادلة صـ 155، وفيه العبر بدل الغير، وله أيضا قوله، والذي منه: [ من الكامل ]: [ أين الجمال من امرئ أربى على....
متعدد التسعين من أحواله ]
" ديوانه، تحقيق د / الداية صـ 70، ود / البنداق صـ 205.
وله أيضا – قوله، والذي منه – ديوانه.
تحقيق د / الداية صـ 52، 53: [ من الطويل ] [ وكيف أبالي والزمان قد انقضى...
وعظمي مهيض والمكان شطير ]
.


[13] انظر الفوائد المجموعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة حـ 2 / 590، 591، تفسير ابن كثير حـ/ 228، 228، الشيخوخة بين العلم والدي أ.
م / جمال محمد سعيد عبد النبي صـ 78، مطبعة الشمس.
شبين الكوم تاريخ الإيداع بدار الكتب سنة 2001م.


[14] انظر " تاريخ الأدب الأندلسي، عصر سيادة قرطبة د / إحسان عباس صـ 169 ط 2 دار الثقافة.
بيروت سنة 1969 م، اتجاهات الشعر الأندلسي في النصف الأول من القرن الخامس الهجري عبد الخالق البدري " دكتوراه " صـ 328، سنة 1418 هـ = 1997 م، وفيها عن، وانتهت.
برقم 6045 مكتبة الأزهر بالمشيخة.


[15] ديوان " ابن هانئ " صـ 93.


[16] غيد السوالف: ناعمات أعالي الأعناق اللسان " غ.
ي.د ".


[17] السيد: الذئب، وأراد به نفسه، وهو في عهد الشباب اللسان " س.
ي.
د.
".


[18] الأملود: الناعم اللين، المستوي القامة.
انظر اللسان " م.
ل.
د.
".


[19] انظر ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي تحقيق محمد عبده عزام حـ 2 / صـ 322 طـ 4 دار المعارف وشرح وضبظ شاهين عطية صـ 178، 179.
دار الكتب العلمية – بيروت ط2 1412 هـ = 1992 م.


[20] انظر ديوان الإلبيري صـ36، 37، اتجاهات الشعر الأندلسي في النصف الأول من القرن الخامس الهجري صـ 360.


[21] يا صاح.
الأولى أن تكون يا صاحي للوزن.


[22] انظر ديوان ابن زيدون صـ 2، في الأدب الأندلسي، د / محمد زكريا عناني صـ 107، 108، كلية الآداب.
الإسكندرية سنة 1998.


[23] هو " سعيد بن فتحون أبو عثمان السرقسطي، له أدب، وعلم وتصرف في حدود المنطق، يعرف بالحمار، وهو مشهور، وقد ذكره أبو محمد علي بن أحمد كان في زمن ابن الحداد المتوفى سنة 480 هـ " جذوة المقتبس صـ 233 برقم 478، البغية صـ 311 برقم 813، نفح الطيب حـ 3 / 175.


[24] انظر قضايا أندلسية د / بدير متولي حميد صـ 350.
الناشر دار المعرفة القاهرة ط 1 يناير سنة 1964م.


[25] هو " أبو محمد أخو تميم بن المعز بن باديس، وتميم هو الملك أبو يحيى، صاحب المهدية.
ولد بالمنصورة سنة 422 هـ، وتوفي سنة 501 هـ، وكان له شعر، انظر معجم الشعر الأندلسيين.
صـ 68.


[26] انظر الذخيرة ق 3 ح 2 / صـ 893.


[27] اللمى: سمرة الشفتين واللثات يستحسن..
اللسان " ل.
م.
ا.
".


[28] انظر زهر الآداب حـ 2 / 900.


[29] هو " أبو محمد عبد الغني بن طاهر، كاتب عثمان بن عبد المؤمن، ملك غرناطة، وظل مع الملك في عز ونعمة، إلى أن وقع له على رسالة بعثها إلى أخيه، أبي حفص بن عبد المؤمن ملك إشبيلية، فغار من ذلك فسمه، فمات.
" انظر المغرب حـ 2 / 225، معجم الشعراء الأندلسيين صـ 224.


[30] انظر المغرب..
حـ 2 / صـ 226.


[31] نكب: عدل عنه، وتجنبه.
اللسان " ن.
ك.
ب ".


[32] الرقم، النقش، الأرقم، أخبث الحيات، وأطلبها للناس، انظر اللسان " ر.
ق.
م.
".


[33] ديوان الأعمى التطليلي صـ 144.


[34] " تبوأه: اصلحه وهيأه.
وقيل: تبوأ فلان منزلا، إذا نظر إلى أسهل ما يرى وأشده استواء، وأمكنه لمبيته، فاتخذه، وتبوأ: نزل وأقام " انظر اللسان " ب.
و.
أ.
"، وللأعمى التطيلي - أيضا - أبيات، ولكنها في الثناء على المشيب - انظرها في الذخيرة ق2 ح 2 / 746 - منها:
لو يعلم الأفق أن الشيب منقصة ♦♦♦ لم تسر أنجمه فيه ولم تسر


[35] لعله " أبو الحسن علي بن الإمام " الذي كان كاتب تميم بن يوسف ين تاشفين ملك غرناطة وتغرب بعد هروبه من غرناطة، وسافر إلى مصر.
" انظر المغرب حـ 2 / 116، المطرب صـ 79: 89، معجم الشعراء الأندلسيين ص.
268.


[36] المطرب.
صـ 79.


[37] " من بني أمية، من أهل شريش.
توفي بها سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
فارس في النظم والنثر والفقه، ولي القضاء من مدينة السلك.
ومولده سنة 508 هـ.
" انظر المغرب حـ 1 / 303، المطرب..
صـ 84، نفح الطيب حـ 4 / 231: 233، معجم الشعراء الأندلسيين.
صـ 321.


[38] انظر تحفة القادم صـ 100، المطرب صـ 84.


[39] انظر تحفة القادم صـ 100، المطرب صـ 84.


[40] كان ملك بلنسية بعد أن خرج منها عبد الله بن غانية، وذلك في المائة السادسة، وظل، إلى أن قام عليه جيش بلنسية سنة 539 هـ، وبايعوا لابن عياض ملك شرق الأندلس.
ففر مروان إلى المرية كان شاعرا.
وتوفي سنة 539 هـ " انظر المطرب صـ 84، نفح الطيب حـ 3 / 408، حـ 4 / 456، معجم الشعراء الأندلسيين.
صـ 419 هـ.


[41] انظر المطرب..
صـ 84، نفح الطيب حـ 3 / 408.


[42] ديوان ابن حمد يس صـ 266، وله في مثل هذا المعنى أبيات - صـ 282، 283، من الديوان - منها [ من الكامل ]






كَمُلتْ لي الخمسون والخمسُ
ووقعتُ في مرضٍ له نكسُ


ووُجِدْتُ بالأضدادِ في جَسَدي
غصن يلين وقامة تقسُو






وتنافرتْ عني الحسان.....
إلى أخر الأبيات.
وله في مثل هذا المعنى أيضا أبيات صـ 287، 473.


[43] ديوان ابن خفاجة صـ 233، نفح الطيب حـ 4 / 328.


[44] قلص، وقلص، وتقلص كله بمعنى: انضم وانزوى.
اللسان " ق.
ل.
ص.
".
" الرسن " الحبل، والرسن ما كان من الأزمة على الأنف.
اللسان " ر.
س.
ن.
"


[45] هو " محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى، أبو بكر بن قزمان، وهو ابن أخي ابن قزمان الأكبر.
إمام الزجالين بالأندلس، وله شعر.
من أهل قرطبة، وكان يتردد على إشبيلية.
وكان أزرق العينين أشقر الشعر، عاش ما بين " 480 -555 هـ " انظر المغرب حـ 1 / 100، 167، نفح الطيب حـ 4 / 296، 297، تاريخ الأدب العربي د / عمر فروخ حـ 5 / 328، 329، معجم الشعراء الأندلسيين صـ 309، ولصفوان ابن إدريس أبيات – أنظرها في زاد المسافر صـ 23 تبين مدى ضجره من المشيب ولابن جبير - كذلك، أبيات - انظرها في نفح الطيب جـ 2 / 490 - تكشف عن ضيقه بالزمان وأهل النقصان.


[46] انظر نفح الطيب حـ 4 / 23، 24، تاريخ الأدب العربي د / عمر فروخ حـ 5 / 329، 330.


[47] هو " محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن المنخل المهري الأدبي، من أهل شلب، يكنى أبا بكر، كان أحد الأدباء المتقدمين، والشعراء المجودين، وكان حسن الخط، جيد الضبط.
يشارك في علم الكلام، مع صلاح وخير، وشعره مدون...
توفي في حدود الستين والخمسمائة..
" انظر الترجمة والأبيات في زاد المسافر..
صـ 129.


[48] الضمار من الماء الذي لا يرجى رجوعه " انظر اللسان " ض.
م.
ر ".


[49] هو " أبو بكر عبد الرحمن بن مغاور.
كتب عن أبي الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن سلطان المغرب الأوسط.
قسم أبو الربيع يوما على خاصته أترجا، فأعطاهم واحدة واحدة، وخصه باثنين.
ولد بشاطبة سنة 502 هـ، وتوفي سنة 587 هـ.
كان جلة الأدباء..
له نثر وشعر.
في شعره متانة وشيء من المرح وهجاء كثير...
وشيء من شعره ونثرة في كتابه " نور الكمائم وسجع الحمائم " انظر المغرب حـ 2 / 385، تاريخ الأدب العربي د / عمر فروخ حـ 5 / 486 - بتصرف.


[50] انظر المرجع الأخير صـ 484: 486.


[51] " من أهالي إشبيلية، كان الملوك يزورونه ولا يلتفت إليهم، له نثر ونظم في الزهد والحكم مدون مشهور.
مات في آخر مدة ناصر بني عبد المؤمن.
" انظر المغرب حـ 1 / 406، الغصون اليانعة صـ 135، 136، تحفة القادم صـ 132، معجم الشعراء الأندلسيين..
صـ 433.


[52] انظر تحفة القادم صـ 133، وله أبيات أخرى يزجر فيها نفسه عن المغريات ويؤنبها - في المغرب حـ 1 / 406، ولابن عذرة ت.
606 هـ أبيات في مثل معنى أبيات المارتلي - في تحفة القادم صـ 146.


[53] انظر ديوان الغزال.
تحقيق د / الداية صـ 47، 48، وعلى مثل المعاني السابقة يأتي " الربضي "، أو جعفر أحمد بن عبد الرحمن اللخمي الكاتب.
من أهل قرطبة ويعرف بالربضي لسكناه بالربض الشرقي منها.
كتب للولاة، ثم قعد عن الخدمة.
توفي سنة 616 هـ " انظر تحفة القادم صـ176، 177، نفح الطيب حـ3 /269،270.


[54] الدهر في الشعر الأندلسي، من المحتوى العقدي إلى البنية الشعرية د / لؤي علي خليل صـ 51.
الآداب جامعة دمشق.
الرسالة 239.
الحولية 26 ديسمبر 1426 هـ = 2005 م.


[55] هو " أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فتوح، الحضرمي الأستاذ الداني النحوي، المعروف بعبدون وبابن صاحب الصلاة.
أقرأ النحو بشاطبة زمانا، وأدب بنىّ صاحب بلنسية، وكان مبرزا في العربية..، ويقول الشعر، وفيه تواضع وطيب أخلاقي.
توفي ببلنسية مستهل رجب سنة ثمان وسبعين وخمسمائة " انظر تحفة القادم صـ90.


[56] انظر نفح الطيب حـ 4 / 345، تحفة القادم صـ 92، ومثل هذا المعنى لدى ابن سهل الأندلسي في ديوانه تقديم د / إحسان عباس صـ 183، ط دار صادر بيروت د.
ت.


[57] انظر ديوانه صـ 119 بتحقيق د / عبد المنعم خفاجي، سعيد جودة السحار، د / عبد العزيز شرف.
مكتبة مصر د.
ت.


[58] انظر الدهر في الشعر الأندلسي صـ 51 .


[59] انظر ديوان يوسف الثالث صـ 38، ويمضى بدون نقط آخرها، ولعلها يمض، وفيه في البيت الأخير، أنه " من مطبوع أبيات المعاني، وينظر فيه إلى قول الشيخ ابن الخطيب، لمن تأمله: [ من الخفيف ]






قلت للشيب لا يربك جفائي
في اختصاري لك البرور ومقتك


أنت بالعتب يا مشيبي أولى
جئتني غفلة وفي غير وقتك






انظر المرجع السابق، وصفحته، وانظر – كذلك – نفاضة الجراب في علاله الاغتراب لابن الخطيب.
نشر وتعليق د / أحمد مختار العبادي صـ 361.
طبع مشروع النشر المشترك.
دار الشئون الثقافية العامة بغداد .
د.
ت.


[60] الزور: الزائرون..، وزور القوم: سيدهم.
اللسان " ز، و.
ر.
"


[61] هو " الخطيب العدل علي بن أحمد بن محمد بن أحمد الحسني.
رجل وقار وسكون.
وله إلى الخير ركون.، أيقن أن الله – بالمرصاد، فلازم خطة الاقتصاد، إلى أن ابيض زرعه للحصاد.، وله شعر يجيد ويجيد، ويبان مباينة التنجيد، ثم يتحلى آونة منه الجيد.
توفي بمالقة في أخريات صفر سنة 750 هـ " انظر الإحاطة حـ 4 / 178، وفيها " ماليا " و " به " وترى بدلا من أرى، الكتيبة الكامنة صـ 62، وله في هذين المرجعين وصفحا تهما أبيات في مثل هذا المعنى منها:[من الكامل]: جزعتْ لهذا الشَّيب ِنفسي وَهْيَ ما..زالت تُهَوِّنُ كُلَّ صَعُبٍ نَالها


[62] نفس المرجعين السابقين وصفحاتهما.


[63] نشأ بأطراف جملته من الفنون، من حساب وفريضة، وأدب، وقراءة ووثيقة إلى خط حسن، وأدب تكفله، حتى انقاد له أو كاد، من فروع مجد وجلالة، وورث الفضل لا عن كلالة.
أشرف، مجيد، مفطم، مخول في العشيرة.
توفي بغرناطة.
عام 750 هـ في وقيعة الطاعون، ودفن بباب إلبيرة " انظر الإحاطة حـ 2 / 266: 269.


[64] نفس السابق وصفحاته.


[65] " يكني أبا عبد الله، ويعرف باسم جده، أصلهم من إشبيلية.توفي سنة 733هـ انظر الإحاطة حـ3/ 145: 152


[66] انظر المرجع السابق حـ 3 / 147، 148، وله في نفس المرجع والصفتحين، أبيات أخرى، في مثل هذا المعنى.


[67] طفلت الشمس تطفل طفولا...
همت بالوجوب ودنت للغروب" اللسان " ط.
ف.
ل " في المصدر أذلك وهذا يكسر الوزن والأولى أذاك..


[68] انظر ديوان أبي حيان الأندلسي صـ 360: 361، وانظر في مثل هذا المعنى، قوله في المرجع نفسه صـ 254، 255، ولأبي جمعة التلالسي آخر القرن الثامن الهجري، موشحة يشكو فيها نتاج المشيب: من وهن وهد للقوى، بلا عثور على طبيب، ودواء، باكيا الشباب، متمنيا له الإياب، منها:






وهدّمنه الشَّيْبُ كل القوى
ولا له مما اعتراه دوا


آه لأيام الصبا لو تعود
كأن بها قد لاح بدر السعود


ترى بها ريب الزمان يعود






انظر ديوان الموشحات الأندلسية " تحقيق د / محمد زكريا عناني صـ 95، دار المعرفة الجامعية.
الإسكندرية المطبعة العصرية، تاريخ الإيداع 1982.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢