عنوان الفتوى : هل تُقْضى الضريبة التي لم تطلبها الدولة؟
تقوم الدولة بأخذ عُمولة مُقابل الانتصاب في السوق، وتقوم بإرسال أعوان مُكلّفين بذلك. وقد قُمتُ بعرض بضاعة مرّتين في السوق، ونظرًا لأنّني ذهبتُ مُتأخّرًا لم أجِد الأعوان هُناك، فانتصبتُ، ولم أدفع مقابل الانتصاب.
فهل الواجب أن أُعطيهم مقابل الانتصاب مرّة أُخرى أم لا؟ وما معنى أُجرة المكْس التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه العمولة تؤخذ لأجل مصلحة أهل السوق وغيرهم من الرعية، كأن تكون في مقابل منفعة تقدمها الدولة لأهل السوق، فلا حرج في فرضها بقدر المصلحة، وعندئذ يجب بذلها.
ونص بعض أهل العلم على أنها تصير دينًا في ذمة صاحبها، كما ذكر ابن أبي الوفاء القرشي في «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» في ترجمة أبي جعفر البلخي.
قال: ذكر عَنهُ في الْقنية في مسألة مَا يضْرب السُّلْطَان على الرّعية مصلحَة لَهُم، يصير دينًا وَاجِبًا وَحقًا مُسْتَحقّا، كالخراج، وضريبة الْمولى على عَبده، فَإِن رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- أَمر أهل الْمَدِينَة أَن يردوا الْكفَّار بِثلث ثمار الْمَدِينَة، ثمَّ بنصفها، وَكَانَت ملك النَّاس، وَمَعَ ذَلِك قطع رأيه دونهم. وَأمر أَصْحَابه بِحَفر الخَنْدَق حول الْمَدِينَة، وَوضع أجر العملة على من قعد، فَكَذَا السُّلْطَان.
قَالَ صَاحب القنية، وَقَالَ مَشَايِخنَا: وَكلما يضْرب الإِمَام عَلَيْهِم لمصْلحَة لَهُم، فَالْجَوَاب هَكَذَا، حَتَّى أُجْرَة الحرَّاسين لحفظ الْحَرِيق واللصوص، وَنصب الدّروب وأبواب السكَك. فقَالَ: وَهَذَا يعرف وَلَا يعرَّف خوف الْفِتْنَة. اهـ.
ونقل ذلك ابن عابدين في حاشيته (رد المحتار) وزاد عن صاحب القنية: ثُمَّ قَالَ : فَعَلَى هَذَا مَا يُؤْخَذُ فِي خُوَارِزْمَ مِنْ الْعَامَّةِ لِإِصْلَاحِ مُسَنَّاةِ الْجَيْحُونِ أَوْ الرُّبَضِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَصَالِحِ الْعَامَّةِ، دَيْنٌ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِظُلْمٍ. وَلَكِنْ يُعْلَمُ هَذَا الْجَوَابُ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَكَفِّ اللِّسَانِ عَنْ السُّلْطَانِ وَسَعَاتِهِ فِيهِ لَا لِلتَّشْهِيرِ، حَتَّى لَا يَتَجَاسَرُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ. اهـ.
وعلى هذا، فيجب على السائل أن يعطي الأعوان المكلفين أجرة الانتصاب، لكونها دينًا في ذمته، لكن إن كانت الدولة تتسامح فيما مضى من البيع ولا تطالب به، ولا تعتبره دينًا على الباعة، فلا يجب عليك دفع تلك الأجرة.
وأما إن كانت الدولة تأخذ هذه الأجرة ظلمًا بغير حق؛ فلا يجوز لها أخذها، ولا يجب عليك إعطاؤها.
وأما معنى المكس الوارد في الحديث؛ فانظره في الفتوى: 97669.
والله أعلم.