عنوان الفتوى : عنده مال يحتاجه لشراء دار.. فهل تجب زكاته؟
الفضل هو أحد أركان وجوب الزكاة، أي ما يكفي حاجة الإنسان، ويكون فائضا عن حاجته.
فكيف لا يكون على صاحب القصر زكاة في قصره، رغم وضوح الغنى والفضل؟ وكيف يكون علي زكاة في مال هو في الأساس لم يكن فائضا عن حاجتي؟
كانت لدي شقة فبعتها؛ لضيق ذات اليد، ولم يكن لدى عمل؛ لذا قررت أن أشتري أخرى بأقل، والباقي أستطيع العيش منه أنا وأسرتي. ووضعت المال وديعة بالبنك بعائد شهري يفي ببعض التزاماتي، وإيجار سكني، حتى أجد سكنا أشتريه.
ولكن للأسف أصبحت هناك زيادة أكبر، والمال لا يفي لشراء شقة أقل من التي كنت أسكن فيها، وحتى السكن المؤجر أصبح إيجاره يتزايد بأضعاف كل سنة. فهو عقد سنوي دون حدود للزيادة السنوية.
فماذا أفعل؟ فهذا المال لم يكن ادخارا، ولم يكن فائضا عن حاجتي، بل كان في أصله سكنا من ضروريات الحياة.
فلو كنت احتفظت بالسكن وأجرته، وبهذا يتحقق شرط النماء. فهل ستكون عليه زكاة؟
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور العلماء لا يشترطون كون المال الزكوي فاضلا عن الحاجات الأصلية حتى تجب زكاته، فعندهم أن المال إذا كان زكويا وكان مملوكا ملكا تاما مستقرا، وكان خاليا عن الدين المنقص للنصاب؛ فزكاته واجبة على المسلم البالغ، حتى وإن احتاج هذا المال لحاجاته الأساسية.
وعلى ذلك فلا يتجه سؤالك، فتجب عليك زكاة هذا المال النامي إذا حال عليه الحول، وهو في ملكك بكل حال، ما استوفى شرط الوجوب.
وذهب بعض فقهاء الحنفية إلى اشتراط كون المال فاضلا عن الحاجات الأصلية، كما قال ابن ملك في شرح مجمع البحرين لابن الساعاتي، عند قوله في وصف المال الذي تجب فيه الزكاة: فاضل عن الحوائج الأصلية.
قال: فإذا كان له دراهم مستحقة لصرفها إلى تلك الحوائج صارت كالمعدومة، كما أن الماء المستحق لصرفه إلى العطش كان كالمعدوم، وجاز عنده التيمم. اهـ.
واعترض عليه ابن نجيم في «البحر الرائق» فقال: صرح بأن من معه دراهم وأمسكها بنية صرفها إلى حاجته الأصلية، لا تجب الزكاة إذا حال الحول وهي عنده. ويخالفه ما في معراج الدراية في فصل زكاة العروض أن: الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة. اهـ. وكذا في البدائع في بحث النماء التقديري. انتهى.
واعترض عليه أيضا في «النهر الفائق» فقال: نفي وجوبها فيما إذا كان له دراهم مستحقة للصرف إلى تلك الحوائج، مخالف لما في (الدراية) و (البدائع) تجب الزكاة في النقد كيف ما أمسكه للنماء، أو للنفقة. انتهى.
ونقل ابن عابدين في حاشيته هذا التقرير عن الشرنبلالية، وشرح المقدسي.
قال: وسيصرح به الشارح أيضا، ونحوه قوله في السراج: سواء أمسكه للتجارة أو غيرها. وكذا قوله في التتارخانية: نوى التجارة أو لا. انتهى.
يعني بالشارح الحصكفي في «الدر المختار» ولفظه في شروط أداء الزكاة عند قول التمرتاشي في تنوير الأبصار: وثمنية المال كالدراهم والدنانير. قال: لتعينهما للتجارة بأصل الخلقة، فتلزم الزكاة كيفما أمسكهما، ولو للنفقة. اهـ.
وحاول ابن عابدين الجمع بين القولين، فقال: الأولى التوفيق بحمل ما في البدائع وغيرها، على ما إذا أمسكه لينفق منه كل ما يحتاجه فحال الحول، وقد بقي معه منه نصاب، فإنه يزكي ذلك الباقي، وإن كان قصده الإنفاق منه أيضا في المستقبل لعدم استحقاق صرفه إلى حوائجه الأصلية وقت حولان الحول، بخلاف ما إذا حال الحول وهو مستحق الصرف إليها. اهـ.
ولكنه عاد وأشكل على ذلك، فقال: لكن يحتاج إلى الفرق بين هذا، وبين ما حال الحول عليه، وهو محتاج منه إلى أداء دين كفارة أو نذر أو حج، فإنه محتاج إليها أيضا لبراءة ذمته، وكذا ما سيأتي في الحج من أنه لو كان له مال، ويخاف العزوبة يلزمه الحج به إذا خرج أهل بلده قبل أن يتزوج، وكذا لو كان يحتاجه لشراء دار أو عبد. فليتأمل. اهـ.
وقوله: "وكذا لو كان يحتاجه لشراء دار" هو صورة سؤال السائل، وفي ذلك إقرار من ابن عابدين أن هذه الصورة تجب فيها زكاة المال.
وهذا هو الصحيح، والله أعلم.
ولذلك قال ملا علي القاري في «فتح باب العناية بشرح النقاية» بعد ذكر قول ابن ملك. قال: كذا ذكر في بعض الشروح، نقله البرجندي. وفيه بحث، لأنه إن أراد أنه لا يلزمه بعد الحول، فغير صحيح، وإن كان قبله فلا كلام فيه. اهـ.
وانظر الفتويين: 303529، 69182.
وأما صاحب القصر فلا تجب عليه الزكاة في قيمة قصره؛ لأنه ليس مالا زكويا أصلا، أي ليس معدا للنماء، فهذا القصر ما دام غير معد للتجارة، بل هو معد للسكنى، فلا زكاة فيه باتفاق العلماء.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على الرجل في عبده، ولا فرسه، صدقة.
وكذلك الشقة المذكورة، فإن كنت أبقيتها وأجرتها وانتفعت بأجرتها، لم يكن عليك في عينها زكاة؛ لأنها ليست من الأموال الزكوية. ولكن تجب عليك الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا، وحال عليها الحول وهي في ملكك.
والله أعلم.