عنوان الفتوى : الإصلاح بين المتخاصمين من غير المسلمين
لي زميل عمل نصراني، وله أولاد ذكور يتخاصمون، ويدعونني للإصلاح بينهم، فهل أجيب دعوتهم؟
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك -إن شاء الله- في السعي في الإصلاح بين هذين الأخوين المتخاصمين، ولو لم يكونا مسلمين؛ ففي سبل السلام للصنعاني عند شرحه للحديث: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.
قال: وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ، فَتُعْتَبَرُ أَحْكَامُ الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْمُسْلِمُونَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُمْ الْمُعْتَبَرُونَ فِي الْخِطَابِ، الْمُنْقَادُونَ لِأَحْكَامِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ... انتهى.
بل إن الشرع قد رخص في الإحسان للكافرين، ما داموا مسالمين للمسلمين، كما قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8}.
هذا، بالإضافة إلى أن الآية التي حثت على الإصلاح جاءت على وجه العموم، قال سبحانه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}.
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره: وقوله: بَيْنَ النَّاسِ ـ يشمل المسلمين، وغير المسلمين، فالإصلاح بين الناس خير، سواء أصلحتَ بين مسلمين، أو بين كفار، أو بين مسلمين وكفار. من أين أخذ العموم؟ من قوله: النَّاسِ. انتهى.
وثبت في صحيح مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا، وينمي خيرا.
والله أعلم.