أرشيف المقالات

صفة الصلاة على الميت باختصار

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
صِفة الصلاة على الميت باختصار

أين يقف الإمام بالنسبة للميت في صلاة الجنازة؟
السُّنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة.
 
ويدلّ على ذلك:
أ- حديث أنس رضي الله عنه: أنه صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه، وعلى جنازة امرأة فقام وسطها فقيل له: أهكذا كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعل؟" قَالَ: نَعَمْ "[1].
 
ب- حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:" صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا "[2].
 
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث أنس رضي الله عنه:" إسناده جيد، وهو حُجَّة قائمة على التفرقة "[3].
 
أي: التفرقة بين الرجل والمرأة، والصبي يُلحق بالرجال فيُقام عند رأسه، والجارية بالنساء فيقام عند وسطها.
 
يُكبِّر أربع تكبيرات، يقرأ بعد الأولى الفاتحة بعدما يستعيذ، ويبسمل.
 
ويدل على مشروعية التكبيرات الأربع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:" نَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا "[4]، وأيضاً روي من حديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين [5]، وهذه التكبيرات الأربع فرض باتفاق الأئمة.
 
ثم يستعيذ، ويبسمل، ثم يقرأ الفاتحة سِرّاً.
 
ويدلّ على ذلك:
أ- حديث أبي أمامة سهل رضي الله عنه قال: " السُّنة فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ: أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً، ثُمَّ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا، وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ "[6]
 
ب- حديث طلحة بن عبد الله رضي الله عنه قال: "صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَجَهَرَ حَتَّى أَسْمَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سُنَّةٌ وَحَقٌّ "[7]، ومعنى " سُنَّة " أي: طريقة مأخوذة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وليس المقصود أنها مستحبة، فأراد أن يعلِّم من وراءه ذلك.
 
ثم يُكبِّر للثانية، ويصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .
 
ونقل ابن هبيرة رحمه الله الإجماع على مشروعية الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية[8].
 
ثم يكبِّر للثالثة، ويدعو للميت.
 
ونقل ابن هبيرة رحمه الله الإجماع على ذلك[9].
 
وينبغي أن يُخلِص للميت بالدعاء.
 
ويدلّ على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: "إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَـاءَ"[10]، وفيه: (محمد بن إسحاق) مدلِّس، وقد عنعن، لكنه لا يضرّ؛ لأنه صرَّح بالتحديث عند ابن حبان من طريق آخر.
 
والمراد بإخلاص الدعاء له: أن يخص الميت بالدعاء؛ لأن المقصود من الصلاة أن ينتفع هذا الميت من الدعاء، وأيضاً من الإخلاص في الدعاء له أن يدعو له بحضور قلب؛ لأنه موضع يُرجى فيه قبول الدعاء للميت.
 
فـائدة: يستحسن مراعاة الضمير حال الدعاء، فإن كان المقدَّم من الأموات اثنين قال: " اللهم اغفر لهما...
"، وإن كانوا جماعة قال: " اللهم اغفر لهم..."، وإن كُنّ جماعة نسوة قال: " اللهم اغفر لهن..."، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً يُغلِّب جانب الذكورية، فيقول: " اللهم اغفر لهم..."، وهكذا في بقية الأدعية.
 
ثم يُكبِّر للرابعة، ثم يسلِّم عن يمينه واحدة.
 
ونقل ابن هبيرة رحمه الله الإجماع على التكبيرة الرابعة، والسلام بعدها واحدة عن يمينه[11].
 
السُّنة لمن صلَّى على جنازة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة.
 
أولاً: تكبيرة الإحرام.
ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام مُجْمَع على مشروعيته.
قال ابن المنذر رحمه الله:" أجمع أهل العلم على أنَّ المصلِّي على الجنازة يرفع يديه مع التكبيرة الأولى "[12].
 
ثانياً: بقيَّة التكبيرات.
على قولين: الحنابلة، والشافعية: يُشرع رفع اليدين فيها، وعند الحنفية، والمالكية: لا يستحب.
والأظهر- والله أعلم -: مشروعية رفعهما مع كل تكبيرة.
 
ويدلّ على ذلك:
أ- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : " كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة وإذا انصرف سلَّم " رواه الدارقطني في عِلَلِه[13]، وأعلَّه بـ: (عمر بن شبة)، وهو ثقة، وثَّقه الدارقطني، وابن حبان[14]، ووثَّقه غيرهم، إلا أنه خالف جمع الثقات الذين رووه موقوفاً.
 
قال الدارقطني رحمه الله: " هكذا رفعه عمر بن شبة، وخالفه جماعة فرووه عن يزيد بن هارون موقوفاً، وهو الصواب".
 
وصحَّح الرفع الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: " والأظهر: عدم الالتفات إلى هذه العِلَّة؛ لأنَّ عمر المذكور ثقة، فيقبل رفعه؛ لأن ذلك زيادة من ثقة، وهي مقبولة على الراجح عند أئمة الحديث "[15].
 
ب- أنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: " أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ عَلَى الْجَنَازَةِ "[16]، وهذا الأثر ظاهر الاستدلال لِمَا يُعلَم من ابن عمر رضي الله عنهما شدة تحريه للسُّنَّة، ومثل هذا لا يأتي من اجتهاد، ولا يفعله ابن عمر رضي الله عنهما إلَّا بتوقيف من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
 
ج- أنه جاء رفع اليدين مع كل تكبيرة عن جمع من الصحابة، كابن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم-.[17]، وجاء عن جمع من التابعين كعطاء، وعمر بن عبدالعزيز، والزهري، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير - رحم الله الجميع -[18].
 
فائدة: قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: " والترتيب بين أركان صلاة الجنازة واجب، فيبدأ بالفاتحة، ثم الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثم الدعاء، فلا يقدِّم بعضها على بعض، وكذلك تكميل التكبيرات الأربع، فإن سلَّم من ثنتين ساهياً أكمل مع القرب، وأعاد مع البعد "[19].
 
وبعد ذلك تُحْملُ على أعناق الرجال؛ لتوضع في حفرة حيث تُغَيَّب عن الشمس، فيحتملك الرجال وهم مشفقون، وعليك يترحمون.
 
مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"



[1] رواه أحمد برقم (13114)، رواه أبو داود برقم (3194)، رواه الترمذي برقم (1034)، رواه ابن ماجه برقم (1494)، وقال الترمذي: " حديث حسن "، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص109).


[2] رواه البخاري برقم (1331)، رواه مسلم برقم (964).


[3] انظر: تعليقه على الفتح (4/ 201).


[4] رواه البخاري برقم (1318)، رواه مسلم برقم (951).


[5] رواه البخاري برقم (3879)، رواه مسلم برقم (952).


[6] رواه النَّسائي برقم (1990)، وصححه النووي (في الخلاصة 2/ 975)، و(في المجموع 5/ 233) وقال: " رواه النسائي بإسناد على شرط الشيخين، وأبو أمامة هذا صحابي "، وصححه الحافظ ابن حجر (في الفتح 3/ 204).


[7] رواه البخاري برقم (1335)، واللفظ للنسائي برقم (1989).


[8] انظر: في الإفصاح (1/ 190).


[9] انظر: في الإفصاح (1/ 190).


[10] رواه أبو داود برقم (3199).


[11] انظر: في الإفصاح (1/ 190).


[12] انظر: الإجماع (ص46).


[13] انظر: نصب الراية (2/ 285).


[14] انظر: في الثقات (8/ 446).


[15] انظر: التعليق على فتح الباري (3/ 190)، وانظر: فتاوى ابن باز (13/ 148).


[16] رواه البخاري معلَّقاً في صحيحه: باب سنة الصلاة على الجنازة رقم (56)، ووصله ابن أبي شيبة (2/ 491)، وعبد الرزاق (3/ 470)، والبيهقي (4/ 44).


[17] انظر: مصنَّف بن أبي شيبة (3/ 296)، وسنن البيهقي (4/ 44).


[18] انظر جامع الترمذي (3/ 388)، ومصنف ابن أبي شيبة (3/ 296)، وسنن البيهقي (4/ 44)، وفتاوى ابن باز (13/ 148).


[19] انظر: الممتع (5/ 342).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١