عنوان الفتوى : صحة صلاة المريض حسب استطاعته

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

توفي والدي، وكان كثير التلاوة للقرآن، ذاكرا لله، كثير الاستغفار، أدى العمرة أكثر من مرة، إلا أنه في أيامه الأخيرة سقط، وانكسر عنده الحوض، ومن ثم أصيب جراء الجلوس لفترة طويلة بالتهابات في المسالك البولية، وتضخم شديد في البروستاتا، تعذر معه خروج البول، إلا بمشقة، وبطريقة تجعله يتناثر على بطنه، وأقدامه، لأنه يستعمل كوبا للبول، وعندما يبول يتمايل تارة إلى اليمين، وتارة إلى الشمال، وتارة يستلقي على ظهره نتيجة الحصر الشديد ـ كان يبول بهذه الطريقة أكثر من مرة في اليوم، وتتزايد في الليل ـ وقد ينسكب شيء من هذا الكوب على بدنه خاصة في الليل، بالإضافة إلى صعوبة في الإخراج ـ إمساك دائم ـ وضعف شديد في عضلة القلب يجعله دائم الإرهاق والتعب، لا يقف إلا على جهاز للمشي بمشقة شديدة، وكان في البداية يتيمم، ويصلي، ثم تمكنا من إقناعه أن حالته لا تدخل ضمن حالات التيمم، وأن عليه الوضوء، ولا بأس لو قارب بين الصلوات، لتخفيف عدد مرات الوضوء، حتى اقتنع، وعندما بدأ يتوضأ كان يصر على أن يقوم للحمام بنفسه للوضوء ثلاث مرات في اليوم، واحدة في الصباح، وواحدة قبيل العصر، وواحدة بعد المغرب، لأنه كان يقارب بين الصلوات، فكان يتوضأ في الحمام، وكثيرا ما يبقى على بدنه ـ خاصة منطقة البطن، والعانة ـ آثار بول، وعلى ثيابه، لأنه كان يبلل يده بالماء، ويمسح مسحا، ولا أظنه كان يمسح كل المنطقة المصابة بالبول، ولا يبدل ثيابه إلا مرة واحدة في اليوم، لأنه كان يجد مشقة في تبديل ثيابه أكثر من مرة في اليوم، فهو يحتاج في كل مرة لتبديل ثيابه للوقوف عدة مرات، والجلوس، والاستلقاء، وفي بعض الأحيان نسمع صوت أنفاسه عند القيام، أو الجلوس.... ويقول إن تبديلها ليس هينًا عليه، وأن الله غفور رحيم، وليس على المريض حرج، وأن الشيخ قال ضع على يدك ماء، وامسح مكان البول، وكان ـ رحمه الله ـ شديد العصبية، ونعرض عليه تبديل ملابسه فيرفض، وكنا نخاف عليه إذا جادلناه في أمر تبديلها، ويصر على أنه ليس على المريض حرج، كما كان يرفض رش بدنه بالماء، لأنه كان يشعر بالبرد حتى في الصيف، ويستعيض عن ذلك بمنديل ورقي واحد، ويرفض استعمال أكثر من منديل، وكان إذا دخل المستشفى لا يصلي، ويقول سأقضيها بعد خروجي، وكان يقضيها غالبا، وفي آخر يومين لم يصل نتيجة الإرهاق، والتعب، ثم توفي ـ رحمه الله ـ مبطونا، نتيجة تجمع السوائل، والسموم في بطنه، فهل كانت صلاته صحيحة؟ وماذا علينا للتكفير عنه؟.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يغفر لوالدكم، ويحسن عزاءكم، ويأجركم في مصيبتكم، وأن يجعل سبب وفاته شهادة له، فقد جاء في حديث الصحيحين، وغيرهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

كما أنا نرجو أن يكون ما كان يقوم به من ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والعمرة.. سببا في رحمته، ودخوله الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الْأَرْضِ. رواه أحمد في المسند، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وأما عن الصلاة: فأمرها عظيم، ولا يحل التفريط فيها، ما دام الشخص يتمتع بعقله - على أي حال كان، أو في أي مكان - فيجب عليه أن يؤديها على الحالة التي يستطيع أداءها بها، كما ذكرنا في الفتوى: 71385.

وما دام ـ عليه رحمة الله تعالى ـ لا يتحكم في بوله، فنرجو أنه قد قضى الصلاة التي تركها في المستشفى، وطهر ما يستطيع، وتيمم عند العجز عن الوضوء لمشقته، أو صعوبته عليه، وصلى حسب استطاعته، فإن صلاته صحيحة ـ إن شاء الله تعالى ـ فدين الله يسر، والمشقة تجلب التيسير؛ قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}. وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}.

وقال خليل المالكي في المختصر: وعفي عما يعسر.

وأما المشقة العادية التي يستطيع الشخص تحملها؛ فإنها لا تسقط الوضوء، كما بينا في الفتوى رقم: 42167.

وعلى كل حال، فإن الذي ينبغي أن تعملوا لوالدكم الآن هو كثرة الدعاء، والاستغفار له، والصدقة عنه، وإنفاذ وصيته، وإكرام صديقه، وصلة رحمه؛ فقد روى مسلم في صحيحه أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.

والله أعلم.