عنوان الفتوى : هل في الطلاق ظلم للمرأة؟
أنا شاب في مقتبل العمر، أعمل في شركة كبيرة، متزوج من حوالي سنة من بنت زميلة لي في نفس الشركة، تعرفت عليها من أول ما دخلت هذه الشركة, تقربنا من بعض كثيرا، وتقربت هي مني أكثر, ولكني لي طموحات وأفكار أريد أن أحققها في حياتي، وتشغل بالي أشياء كثيرة غير الزواج، وكنت رافضا فكرة الزواج في سن مبكر، وهي تعرف هذا جيدا، ولكن زاد القرب بيننا، واعترفت لي بحبها، وأنها تريد أن تتزوج مني، وعرضت عليَّ الزواج، وأنا رفضت أكثر من مرة؛ لدرجة أنني كنت أفضل أن أبتعد عنها، وألا أكلمها، ولكنها كل مرة تقترب هي أكثر.
جاءت عليَّ فترة أحسست أني أحبها، وفي مرة من المرات عندما كررت عرضها للزواج ضعفت، ووافقت عندما سهلت عليّ أمور الزواج، وكل شيء. تزوجنا، وبعد فترة من الخطوبة أحسست أني لا أريد أن أكمل معها لنفس فكرة رفض الزواج المبكر، وأن عقلي رافض للأمر بأكمله، فعلتُ أشياء كثيرة كي نفسخ الخطوبة، ولكنها كانت توافق على أيّ شيء أقوله.
تزوجنا وبعد 3 أو 4 شهور من زواجنا أحسست أني لا أحبها، ولا أريدها معي. هذا الإحساس ظل صغيرا، وبدأ يكبر مع كل شيء، وفي كل شيء، وكنت في داخلي أنتقد كل شيء فيها؛ لبسها، وشكلها، وطريقة تعاملها، إهمالها، وهي أحست، واعترفتُ لها أني أحس أنني لا أحبها. ظلت معي فترة، وكل فترة تظهر مشاكل بيننا، وهي ترفض فكرة الطلاق؛ لأنها لا تريد أن تكون مطلقة، وتتقبل أيّ شيء مني، وأيّ رفض على أيّ طلب لها؛ سواء أن نخرج سويًّا، أو نسافر سويًّا.
الفترة الأخيرة حدثت بيننا مشاكل كثيرة، طلبت مني الطلاق أكثر من مرة، وأنا لا أريد أيضا أن أظلمها، وأحسست أني لو تسرعت، وطلقتها أكون ممكن ظلمت امرأة، كنت أهدئها وأقول لها: لا، نعيش سويًّا، ونحاول ثانيا، ولكن بلا فائدة.
آخرة مرة قلت لها: سأفكر في الأمر، تركتها 3 أيام، وفكرت بعقلي، ووجدت أن حياتنا فيها ظلم لها ولي، ولكن لها أكثر مني؛ لأنني يحق لي الزواج بعد ذلك من أية امرأة، ولكن هي هل ستعيش معي في هذه التعاسة فقط. أظل أفكر فيها وأقول لنفسي: ولكن ماذا إذا طلقتها، وظلت وحدها، ولم تتزوج. هل ستعيش وحدها، ولكن أرجع وأقول لنفسي: إن الله موجود، وإنه هو من ييسر الأمور لعباده، وإنه هو منظم الكون، وأنا لا يجب أن أفكر في مصير العباد؛ لأنه بيده هو وحده مصير العباد.
وعندما رجعت، وأخذت قراري أني سوف أطلقها، وقلت لها: إن أفضل الأمور أن ننفصل عن بعضنا، رفضت ثانية، وقالت لي إنها لا تريد هذا، وإنها في آخر مرة طلبت مني الطلاق كانت متضايقة من الحياة. ولكني سألتها سؤالا أن تقول لي كيف هي تراني؛ لأنها قالت لي عندما تأخذ قرارك سأقول لك كيف أراك, قالت لي: الله سوف يريك في حياتك مثل هذا الموقف في أهلك، وأني في نظرها لست رجلا, وهي في موقف بيننا من المواقف ظلت تقول: حسبي الله ونعم الوكيل فيك.
أخي أنا لا أقدر أن أعيش مع إنسان يراني هكذا، ويدعو الله عليّ، ولا أحب أن يكرهني أحد، وإن كنت أخطأت فآمل أن يسامحني الله، ويسامحني البشر، ولكني حاولت أكثر من مرة أن أصلح وأعيش مع تلك المرأة، ولكن لا أقدر، فلا أنا أحبها، ولا أرى فيها أيّ شيء يستدعي أن نعيش سويا، ولا أريد أن أظلمها أيضا وأظلم نفسي. وإن كنت أخطأت بموافقتي على الزواج منها، ولكني بشر، وضعفت عندما كررت عليَّ طلبها أن أتزوجها مع التسيهلات التي قدمَتْها لي.
أيضا عندما أمسكت هاتفها وجدت كلاما بينها وبين أختها في حقي، كلام لا تقدر أن تقوله في وجهي، وأيضا تقول لها أنها تحسبنت عليّ في سرها، وأنا نائم بجانبها. فكيف لي أن أعيش في هذه الحالة، وأنا أعلم أن التي بجانبي تكرهني، وتدعو الله عليّ؟
إن الشيء الذى يدعوني أكثر للطلاق أكثر من حبي لنفسي، وأن أبقى حرا، أو مع امرأة أخرى, من الممكن أن أستكمل حياتي معها، وتعتبر هي زوجة من الزوجات، ولكن هي إنسانة ليست متدينة مثلي، وأرى فيها عيوبا مثلي أيضا. ماذا إذا أنجبنا أطفالا، وأحس أن أمهم التي لا أحبها، ولا أريد أن أعيش معها، ولا أريد منها أنها تربي أطفالي؛ لأنها ليست الأم التي سوف تهتم بالأطفال جيدا. أعلم أنني كنت أعلم هذا عندما تزوجتها، ولكن وقتها شعوري كان مختلفا، وسبحان مقلب القلوب. الآن لا يوجد من داخلي أي حب تجاهها.
كل هذه الأشياء تجعلني أفكر في الطلاق، ولكن هي الآن لا تريد.
السؤال: لو طلقتها، وهي لا تريد الطلاق سأكون ظلمتها، ويحاسبني ربي على هذا أنه ظلم، وأن الله لا يسامح فيه أبدا، إلا إذا سامح هذا الإنسان؟
وسؤال عام: ماذا يفعل الإنسان إذا أحس أنه لا يطيق الحياة مع زوجته، وهي لم تشتك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالطلاق في الأصل مبغوض شرعا، لكن إذا كان لحاجة؛ كان مباحا، ولم يكن ظلما للمرأة، ولو كانت لا تريد الطلاق، فمن كره زوجته بحيث لا يحصل له السكن المقصود بالزواج؛ جاز له تطليقها.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني عند كلامه على أقسام الطلاق: ... والثالث: مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها. انتهى.
وقال العز بن عبد السلام في الغاية في اختصار النهاية: فالمباح: هو الطلاق لغرض يطلق لمثله العقلاء؛ من استشعار نشوز، أو ظهور ريبة، أو عدم محبة مع شح بالنفقة. انتهى.
ومن أبغض زوجته بحيث لا يقدر على إيفائها حقّها، ومعاشرتها بالمعروف؛ فتطليقه لها مندوب.
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها. انتهى.
لكن نصيحتنا لك؛ ألا تتعجل في طلاق زوجتك، وأن تجتهد في استصلاحها، وتصبر عليها، فالغالب أنّ الحياة الزوجية لا تستقيم بغير صبر، وتجاوز عن الهفوات، وموازنة بين الجوانب الحسنة والسيئة، وعدم الاندفاع وراء الانفعالات؛ قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء 19}.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. صحيح مسلم.
قال النووي -رحمه الله-:أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ، أَوْ جَمِيلَةٌ، أَوْ عَفِيفَةٌ، أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. انتهى.
وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام. أورده صاحب كتاب كنز العمال.
وللفائدة راجع الفتوى: 408697.
والله أعلم.