عنوان الفتوى : معنى ادخار الدعاء للداعي في الآخرة
هل الدعوات التي لم يستجبها الله للداعي في الدنيا ليدخرها في الآخرة؛ يحققها في الجنة؟ أم يؤخرها الله إلى الآخرة ليفرج عنه كربة من كرب يوم القيامة؟ كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ما من عبدٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك. قالوا: يا رسول الله إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر. فأيهما أصح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث صريح في أن من أنواع الإجابة أن يدخر له الدعاء في الآخرة، وليس بالضرورة أن تكون إجابة الدعاء في الآخرة بأن يعطيه فيها عين ما سأل في الدنيا، أو أن يفرج عنه من كرب القيامة، فقد يعطيه الله أحسن من ذلك، والله تعالى واسع العطاء كريم لا يعجزه شيء.
وقد بين شراح الحديث معنى ادخار الدعاء له في الآخرة، وبينوا وجوه الإجابة فيها.
قال ملا القاري في مرقاة المفاتيح في شرحه لهذا الحديث:
(إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ) أَيْ: بِخُصُوصِهَا، أَوْ مِنْ جِنْسِهَا فِي الدُّنْيَا فِي وَقْتٍ أَرَادَهُ إِنْ قَدَّرَ وُقُوعَهَا فِي الدُّنْيَا.
(وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا ): أَيْ: تِلْكَ الْمَطْلُوبَةَ. أَوْ مِثْلَهَا. أَوْ أَحْسَنَ مِنْهَا.
أَوْ ثَوَابَهَا وَبَدَّلَهَا لَهُ: أَيْ: لِلدَّاعِي فِي الْآخِرَةِ أَيْ: إِنْ لَمْ يُقَدِّرْ وُقُوعَهَا فِي الدُّنْيَا. اهــ
كما جاء في بعض الروايات أن من الإجابة تكفير الذنوب، ففي لفظ للحديث عند الترمذي: وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا. اهــ.
قال الحافظ في الفتح: اعْلَمْ أَنَّ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ لَا يُرَدُّ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْأَوْلَى لَهُ تَأْخِيرَ الْإِجَابَةِ، أَوْ يُعَوَّضُ بِمَا هُوَ أَوْلَى لَهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا. اهــ.
وقال في تحفة الأحوذي:الْإِجَابَةَ عَلَى أَنْوَاعٍ:
مِنْهَا: تَحْصِيلُ عَيْنِ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ.
وَمِنْهَا: وُجُودُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ.
وَمِنْهَا: دَفْعُ شَرٍّ بَدَلَهُ، أَوْ إِعْطَاءُ خَيْرٍ آخَرَ خَيْرٍ مِنْ مَطْلُوبِهِ.
وَمِنْهَا: ادِّخَارُهُ لِيَوْمٍ يَكُونُ أَحْوَجَ إِلَى ثَوَابِهِ.
وَمِنْهَا: تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِقَدْرِ مَا دَعَا. اهــ.
والله أعلم.