عنوان الفتوى : ما النار التي رآها موسى عليه السلام؟ وهل يمكن أن تتغير صفات الله تعالى؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

هل النور الذي رآه سيدنا موسى كان نور الله؟ وكيف يقول من قال من العلماء المتأخرين: إن نور الله ليس نورًا ساطعًا، والمفسرون مثل ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من السلف، قالوا: إن النور الساطع الذي رآه موسى، والذي أنار الظلام، هو نور الله، أو أن الله كان في هذا النور، وكيف رأى صفة النور لله، والله لا يراه أحد في الدنيا!؟
وقد جاء في رواية عن ابن عباس: "نور رب العالمين"، فوقف موسى متعجبًا مما رأى؛ فنودي: "أن بورك من في النار"، قال ابن عباس: أي: قُدّس {وَمَنْ حَوْلَهَا} أي: من الملائكة. قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة. انتهى من تفسير ابن كثير.
وقال البغوي: قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارًا، بل كان نورًا، ذكر بلفظ النار؛ لأن موسى حسبه نارًا، وقال أكثر المفسرين: "إنه نور الرب عز وجل، وهو قول ابن عباس، وعكرمة، وغيرهما".
وهل الله قدير على نفسه يحول، ويغيّر صورته وكيفيته، وكيفية صفة النور، وكذلك كيفية سائر صفاته كما يشاء، وكيف يشاء؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأمر كما نقل السائل، فأكثر المفسرين على أن موسى -عليه السلام- رأى نورًا، كان يظنه نارًا، قال الشنقيطي في «أضواء البيان»: أكثر أهل العلم على أن النار التي رآها موسى "نور" وهو ‌يظنها ‌نارًا. وفي قصته أنه رأى النار تشتعل فيها، وهي لا تزداد إلا خضرة، وحسنًا ... واختلفت عبارات المفسرين في المراد بـ {مَنْ فِي النَّارِ} في هذه الآية من سورة النمل. وذكر عدة أقوال، واستبعدها.

ثم قال: وأقرب الأقوال في معنى الآية إلى ظاهر القرآن العظيم: قول من قال: إن في النار التي هي نور: ملائكة، وحولها ملائكة، وموسى.

وأن معنى: {أن بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} أي: الملائكة الذين هم في ذلك النور، ومن حولها؛ أي: وبورك الملائكة الذين هم حولها، وبورك موسى؛ لأنه حولها معهم. وممن يروى عنه هذا: السدي. اهـ.

فجعل النور نور الملائكة، وقد قال قبل ذلك: لا ينبغي أن يطلق على الله أنه في النار التي في الشجرة؛ سواء قلنا: إنها نار، أو نور -سبحانه جل وعلا- عن كل ما لا يليق بكماله، وجلاله! اهـ.

وأظهر من ذلك أنه نور، أو نار الحجاب المذكور في حديث أبي موسى المرفوع: حجابه النور -وفي رواية: النار - لو كشفه؛ لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. رواه مسلم. وهذا يوافق تفسير سعيد بن جبير، كما نقله عنه البغوي، وغيره.

وروى ابن جرير الطبري عن سعيد بن جبير -أيضا- أنه قال: حجاب العزة، وحجاب الملك، وحجاب السلطان، وحجاب النار، وهي تلك النار التي نودي منها. قال: وحجاب النور، وحجاب الغمام، وحجاب الماء.

وأما نور الله الذي هو صفته -سبحانه-، فلا يرى في الدنيا، ويكفي في ذلك قوله تعالى لموسى لما سأل الرؤية: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا. [الأعراف:143]، وقد روى الترمذي في سننه عن ‌عكرمة، عن ‌ابن عباس قال: رأى محمد ربه. قلت: أليس الله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، قال: ويحك، ذاك إذا تجلّى بنوره ‌الذي ‌هو ‌نوره، وقد رأى محمد ربّه مرتين. رواه الترمذي.

فنور الله الذي هو نوره (صفته) لا تدركه الأبصار في الدنيا، قال ابن القيم -كما في مختصر الصواعق المرسلة-: النص قد ورد بتسمية الرب نورًا، وبأن له نورًا مضافًا إليه، وبأنه نور السماوات، والأرض، وبأن حجابه نور. هذه أربعة أنواع:

فالأول: يقال عليه -سبحانه- بالإطلاق؛ فإنه النور الهادي.

والثاني: يضاف إليه، كما يضاف إليه حياته، وسمعه، وبصره، وعزته، وقدرته، وعلمه ...

والثالث: وهو إضافة نوره إلى السماوات والأرض، كقوله: {الله نور السماوات والأرض}.

والرابع: كقوله: "حجابه النور"، فهذا النور المضاف إليه، يجيء على أحد الوجوه الأربعة.

والنور الذي احتجب به سمي: نورًا، ونارًا، كما وقع التردد في لفظه في الحديث الصحيح: حديث أبي موسى الأشعري، وهو قوله: "حجابه النور، أو النار"؛ فإن هذه النار هي نور، وهي التي كلّم الله كليمه موسى فيها، وهي نار صافية، لها إشراق بلا إحراق؛ فالأقسام ثلاثة: إشراق بلا إحراق، كنور القمر، وإحراق بلا إشراق، وهي نار جهنم؛ فإنها سوداء محرقة لا تضيء، وإشراق بإحراق، وهي هذه النار المضيئة، وكذلك نور الشمس له الإشراق، والإحراق.

فهذا في الأنوار المشهودة المخلوقة، وحجاب الرب تبارك وتعالى نور، وهو نار. اهـ.

وأما السؤال الأخير فجوابه: أن صفات الله تعالى على نوعين:

صفات ذاتية، وهي التي لم يزل ولا يزال الله متصفًا بها، ولا تتعلق بالمشيئة، والقدرة، كعلم الله، وقدرته، وسمعه، وبصره، ونوره.

وصفات فعلية تتعلق بمشيئة الله تعالى، وقدرته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، وليست لازمة لذات الله تعالى، كصفة المجيء، والغضب، والفرح. وانظر للفائدة، الفتوى: 385183.

وعلى ذلك؛ فالسؤال عن صفات الله تعالى، وإمكان تغيرها، لا بدّ من التفصيل في جوابه، كما يلزم تحرير معنى التغير المسؤول عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: الناس إذا قيل لهم: التغير على الله ممتنع، فهموا من ذلك الاستحالة، والفساد، مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص، أو تفرّق الذات، ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله عنه.

وأما كونه -سبحانه- يتصرّف بقدرته، فيخلق، ويستوي، ويفعل ما يشاء بنفسه، ويتكلّم إذا شاء، ونحو هذا لا يسمونه تغيرًا. اهـ.

وقال الدارمي في نقضه على المريسي، في الكلام على الحديث المتفق عليه: فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون. قال: إن الله لا تتغير صورته، ولا تتبدل، ولكن يمثل في أعينهم يومئذ، أولم تقرأ كتاب الله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا}، وهو الفعال لما يشاء... اهـ.

والله أعلم.