عنوان الفتوى : هل يكفي لتحصيل العلم الواجب النشأة في مجتمع مسلم والدراسة في مدارسه النظامية؟
إذا نشأ الشخص في مجتمع مسلم، وتعلّم التربية الإسلامية في التعليم المدرسي من الصف الأول الابتدائي حتى آخر سنة، فهل يكفي ذلك لأن يكون قد تعلّم ما يجب تعّلمه عن الدِّين؟ وما هي الواجبات؟ من فضلكم عددوها، ولو باختصار.
وقد فهمت أنه يكفي في جانب العبادات أن يتعلّم المسلم ما يمكنه به أن يصحح عباداته، فما الذي يجب أن يكون مُلمًّا به في جانب العقيدة، وفي الجوانب الأخرى؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن العلم الشرعي منه ما هو فرض عين، يجب على كل مسلم تعلّمه، ومنه ما هو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي، سقط الوجوب عن الباقين.
وحدّ العلم المتعيّن على كل مسلم هو: العلم بوحدانية الله سبحانه، وأنه لا شريك له، ولا مثيل، ومعرفة أركان الإيمان، والعلم بالأحكام الظاهرة للفرائض الواجبة على الدوام -الصلاة-، والعلم بالزكاة لمن كان عنده مال تجب زكاته، والعلم بأحكام البيع لمن يبيع ويشتري، وهكذا، والعلم بجملة المحرمات -كحرمة الربا، والظلم، والرشوة، وغير ذلك-، قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم، سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع.
واختلفوا في تلخيص ذلك.
والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك: ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه، نحو: الشهادة باللسان، والإقرار بالقلب بأن الله وحده، لا شريك له، ولا شبه له، ولا مثل له: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص:3-4]، خالق كل شيء، وإليه يرجع كل شيء، المحيي المميت، الحي الذي لا يموت، عالم الغيب والشهادة، هما عنده سواء، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن.
والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، هو على العرش استوى.
والشهادة بأن محمدًا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه حق، وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة، ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق.
وأن القرآن كلام الله، وما فيه حق من عند الله، يلزم الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه.
وأن الصلوات الخمس فريضة، ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به من طهارتها، وسائر أحكامها.
وأن صوم رمضان فرض، ويلزمه علم ما يفسد صومه، وما لا يتم إلا به.
وإن كان ذا مال، وقدرة على الحج، لزمه فرضًا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب، وفي كم تجب. ولزمه أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره، إن استطاع السبيل إليه. إلى أشياء يلزمه معرفة جملها، ولا يعذر بجهلها، نحو: تحريم الزنى، وتحريم الخمر، وأكل الخنزير، وأكل الميتة، والأنجاس كلها، والسرقة، والربا، والغصب، والرشوة في الحكم، والشهادة بالزور، وأكل أموال الناس بالباطل، وبغير طيب من أنفسهم، إلا إذا كان شيئًا لا يتشاحّ فيه، ولا يرغب في مثله، وتحريم الظلم كله، وهو كل ما منع الله عز وجل منه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحريم نكاح الأمهات، والبنات، والأخوات، ومن ذكر معهنّ، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق، وما كان مثل هذا كله مما قد نطق به الكتاب، وأجمعت الأمة عليه. اهـ.
وفي روضة الطالبين للنووي: من العلوم ما يتعيّن طلبه وتعلّمه، ومنها فرض كفاية:
فمن المتعين: ما يحتاج إليه لإقامة مفروضات الدِّين، كالوضوء، والصلاة، والصيام، وغيرها، فإن من لا يعلم أركان الصلاة وشروطها، لا يمكنه إقامتها. وإنما يتعين تعلّم الأحكام الظاهرة، دون الدقائق والمسائل التي لا تعم بها بلوى.
وإن كان له مال زكوي، لزمه تعلّم ظواهر أحكام الزكاة...
ومن يبيع ويشتري ويتّجر، يتعيّن عليه معرفة أحكام التجارات، وكذا ما يحتاج إليه صاحب كل حرفة، يتعيّن عليه تعلّمه، والمراد الأحكام الظاهرة الغالبة، دون الفروع النادرة والمسائل الدقيقة. اهـ.
وانظر الفتوى: 240100.
ومجرد نشأة المرء في مجتمع مسلم، لا يستلزم أن يكون قد حصّل العلم المتعين تعلّمه -كما هو ظاهر مشاهد-.
وأما مناهج التربية الإسلامية، ومدى استيفائها للعلم المتعين، فيحتاج إلى الاطلاع عليها؛ للتحقق من ذلك، وليس هذا من مجال اختصاصنا.
ولو كانت المناهج تستوفي العلم المتعين، فمجرد اجتياز الطالب لها، لا يقتضي تحصيله للعلم المتعين؛ فربما انشغل الطالب ولم يضبط المنهج أصلًا، وربما نسي ما تعلّمه، إلى غير ذلك.
فالحاصل: أنه لا يسوغ التقصير في تعلّم العلم المتعين؛ بحجة النشأة في مجتمع مسلم، أو الدراسة في مدارسه النظامية.
والله أعلم.