عنوان الفتوى : مسؤولية الآباء عن أولادهم، ودور الأولاد تجاه آبائهم
بسبب المشاكل التي يختلقها أبي، وتعامله السيء معنا، ومع أمي خاصة، يدفعني الشيطان إلى قتله، والتخلص منه. فعندما كان شابا، ونحن صغار، ضربنا، ولم يجعلنا نتنفس بسبب دكتاتوريته.
وها هو أصبح في الستين، ونحن أصبحنا في العشرينيات، ولم يتغير إلا قليلا، وبسبب تغييرنا للبلد أصبح مجبورا على التغير بسبب القوانين.
لم يجعلني أدرس الفرع الجامعي الذي أريده بحجة أنه في بلد آخر، فتُهت وذهبَت سنتان من عمري، وأيضا أخواتي، وأخي كذلك.
أبي كان أبوه غير راض عنه، وكان يحب عمي أكثر، فكان حلو اللسان، مرن الطبع، ووضع جَدِّي كل شيء في يده. المسجد، والدكان، والورثة العلمية، فقد كان جَدِّي عالما. وبعد موت جَدِّي، بدأ عمي بالظلم، وأكل الحق.
أبي كان يريد أن يدرس، وجَدِّي أخرجه من الدراسة، وتعامل أبي معنا بشكل دكتاتوري.
أخي الأكبر هرب من البيت، ونجح في حياته بشكل كبير، ولم نكن نراه إلا أياما معدوة في السنة، وكانت أياما جهنمية، بسبب مشاكل معه، ومع أبي، وأبي يدعو عليه إلى الآن، ويدَّعي أن التوفيق في رضاه، ويدعو بأن لا يتوفق.
وأبي قاطع إخوانه إلا أخته، وقاطع أخي، وأختي، وعلاقاته مع عائلته سيئة جدا.
كلما أتى خاطب لنا، أو رأى عروسة لأخي جعل أبي البيت جهنم، ويبقى على هذا الحال لشهر.
يريد أن يتخلص منا، ومن مسؤوليتنا، بنات كنا أو أولادا.
لا أستطيع أن أقول إن ولدا له، أو ابنة له راضية عنه، وسعيدة، ولها أو له ذكريات جميلة معه، فكل فرح لنا كان جهنم، وكل عرس في بيتنا كان عزاء.
لا أقول إنه بدون دين وناموس، ولا أقول إنه بدون مسؤولية، الحمد لله إنه أحسن بكثير من غيره. ولكنه حساس، وعميق التفكير، ويضع سيناريو لكل واقع، وحادث. ومعاملته دكتاتورية، ويخرج لنفسه ألف حجة، حتى لو كانت فعلته غير معقولة، أو غير شرعية.
في بعض الأحيان وعندما يأتي الأمر لنا يأتي بالأحاديث والآيات بحسب ما هو يريد بدون الدخول إلى التفاصيل وأحكامها.
لم يكن سعيدا من الصغر،، حسب ما يحكي لنا، وأراه الآن غير سعيد، وحوَّل حياته بنفسه إلى جهنم، ويحاول أن يجعل حياتنا أيضا جهنم. فأصلا مشاكله لا تنتهي، ونحن لا نخرج من البيت، وبعيدون عن الحرام، وما شابه. عائلة متمسكة بدينها.
أريد نصائح لنا لكي نحافظ على الروح الطيبة، والمعتدلة، ولا نخرب بيتنا بأيدنا.
وأريد نصائح لمثل هؤلاء الآباء، والشباب الذين سيصبحون آباءً في المستقبل، وليربُّوا أنفسهم من الآن. فالتغيير يبدأ من الشخص نفسه، والتعيس لا يمكن أن يَسْعَد، أو يُسْعِد.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنود أن نلفت نظرك إلى أن من الأفضل كتابة هذا السؤال لقسم الاستشارات بموقعنا على هذا الرابط:
https://islamweb.net/ar/consult/
وما يمكننا قوله هنا أنك ذكرت عن والدك جملة من الصفات السيئة؛ كسوء تعامله معكم، وجفائه، وغلظته، فإن صح ذلك عنه، فلا شك في أنه مخالف لما جبل عليه الآباء من الرحمة، والشفقة بأولادهم، وخاصة الإناث منهم، والحرص على ما فيه مصلحتهم، والحذر مما فيه ضررهم.
والوالد يبقى والدا، ومن حقه على ولده أن يبره، ويحسن إليه مهما أساء وظلم، كما سبق أن بينا ذلك بأدلته في الفتوى: 435385.
ويجب الحذر من عقوقه بأي أذى، ولو كان يسيرا، كما أوضحنا في الفتوى: 73463. وإذا كان الأذى اليسير عقوقا، فكيف بالقتل، فيجب الحذر من التفكير في ذلك كله.
ومن أهم ما نوصيكم به:
أولا: الصبر عليه، ففي الصبر كثير من الفضائل والفوائد، سبق وأن ضمنا طرفا منها الفتوى: 18103.
ثانيا: الدعاء له بأن يهديه الله سبحانه صراطه المستقيم، ويتوب عليه، ويرزقه الرشد والصواب، فالله على كل شيء قدير، وكل شيء عليه يسير، وهو سميع مجيب لمن دعاه، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}. وقد ذكرت أنكم متمسكون بدينكم، فنرجو أن يكون هذا من دواعي استجابة دعائكم، وراجعي الفتوى: 119608.
ثالثا: بذل النصح له برفق ولين، والأفضل أن يكون ذلك من بعض الوجهاء، وفضلاء الناس الذين يرجى أن يستجيب لقولهم، ويكون منهم تأثير عليه، ثبت في صحيح مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال:لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم. وروى مسلم أيضا عن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.
رابعا: المحافظة على روح التدين والاستقامة على طاعة الله -عز وجل- في بيتكم، فإنه من أفضل ما يعين على حل مشاكل الأسرة، ويجعلها مستقرة، فقد وعد الله المتقين بالفرج من الشدة، والمخرج من الضيق، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2}، وقال: وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.
خامسا: على الآباء معرفة دورهم تجاه أبنائهم، فيقوموا بذلك على أكمل وجه، وكذلك الحال بالنسبة للأبناء تجاه آبائهم. وإذا أراد الأبناء أن يبرهم أبناؤهم في المستقبل، فليبروا آباءهم، فالجزاء من جنس العمل.
والله أعلم.