عنوان الفتوى : تريد الزواج من شخص متزوج وأهلها يمانعون

مدة قراءة السؤال : 8 دقائق

أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، وكتب أجركم، ونفع بكم.
أستأذنكم أن أطيل في الكتابة كي أبين لكم وضعي بوضوح بقدر ما أستطيع. أنا فتاة أبلغ من العمر 25 عاما، لست متزوجة، تقدم إليَّ الكثيرون خلال السنوات، وخاصة في السنة الماضية، ومنذ شهرين تقدم إليَّ أربعة أشخاص، ولكن لم يحصل شيء نظرا لأن أهلي لا يريدون أن يستعجلوا لأي أحد، وحريصون جدا على أن يقبلوا فقط من يرونه الأنسب.
لا أحب أن أعارضهم كثيرا، بل ألجأ إلى الله دوما، وأتوكل عليه، وأستخيره في أموري؛ ليختار لي مافيه الخير حيث كان، وكذلك من الأسباب لعدم حصول شيء ممن تقدم أني لم أرتح لجميع من تقدم؛ لأني أبحث عن صاحب الدين والخلق، ولا أبالي بمن هو موفق في دنيا، ولكن لا يملك شيئا من الدين والخلق أساسا، أو فقط يعتني بالمظهر الخارجي على أن يبدو ديّنا. وهذا للأسف كثير. أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
أرى أن الفتن والشبهات في زماننا كثيرة جدا، فلا بد أن نأخذ بالأسباب، ونحمي أنفسنا أولا، ثم نختار من نرى أنه يكون أبا صالحا مربيا لأولادي إن قدر الله لي، فأنا أحمل همًّا كبيرا في أمر تربية الأبناء التربية الصحيحة.
الذي أحب أن أستشيركم فيه هو عن رجل صالح، وإمام مسجد، وقارئ معروف للقرآن الكريم، ويشهد له الناس بصلاحه، وحبه للسنة بشكل كبير، وللعلم أن سنه ليس بعيدا عن سني. هذا الرجل لمح تلميحا بينا واضحا، وأكثر من مرة لوالدي -حفظه الله- منذ عام أنه يريد خطبتي عندما سمع من أبي عن بعض صفاتي من حفظي للقرآن الكريم -بفضل الله-، واشتغالي بطلب العلم الشرعي، وتعليمي القرآن لإخوتي.
ولم أذكر هذه النقاط عن نفسي إلا لأبين لكم السبب الظاهر الذي من أجله أراد أن يتقدم هذا الرجل. حيث قال أبي: إنه كان يكثر ذكري عند هذا الأخ، لكن الأمر هو أنه متزوج من اثنتين، وبفضل الله رزقه الله من الذكور والإناث عددا. والدي يعز هذا الرجل جدا، ويجالسه كثيرا عندنا في البيت، وبشكل عام، ولكن لم يقبله ابتداء؛ لأنه خشي أن يكون هذا ليس عدلا لي كون أني لم أتزوج من قبل، فقال إني أستحق من هو مثلي لم يتزوج من قبل.
وكذلك أبي لم يقبله؛ لأن زوجته الأولى بينت له رفضها التام، وقولها مستحيل لما ترى من مرارة التعدد بشكل عام. أهلي رفضوا تماما هذا الزواج بشكل عام من الإخوة والأخوات؛ لأنهم ينظرون إلى التعدد من جانب واحد فقط، وأنه حسب ما يرون لن ينجح، وأني سأتعب فيه، ويقولون إن أغلب الرجال لا يعدلون، خاصة لأن شخصيتي من النوع السهل الذي لا يحب تعقيد الأمور والنزاع؛ ولأني أعرف جيدا حقا الزوج، وأخاف أن أقصر فيها، فهذا عندهم مانع، ويخافون عليَّ بسبب ذلك.
لقد نشأت في بيت فيه التعدد؛ حيث إن أبي متزوج من اثنتين، ومنذ سن مبكر وكان لي دور كبير في تحمل كثير من المشاق، والنزاعات الزوجية بين أبي وزوجاته؛ حيث كانوا يشتكون إليَّ دوما عن أبي، وأنا أنصحهم بالصبر عليه إلخ.
هذا أدى إلى أن أتعمق في تعلم مسألة التعدد شرعا، وبفضل الله منذ سنوات وصلت لمرحلة أن أرى التعدد إذا كان بالشكل الصحيح، فبإذن الله يستطيع العيش معه أي أحد بعون الله، ولم يشرعه الله إلا لما فيه من خير، ولكن لا يعتني كل من يعدد بالضوابط الشرعية للتعدد، فسبب ذلك تشاؤم حول الموضوع.
المؤمن الفطن يستغل كل فرصة من الحياة ليعمل، ويستزيد من الخير، ومنها أن المرأة التي عدَّد زوجها تستغل وقتها في التعبد، والتقرب إلى الله، وتعليم أبنائها أمور الدين، والاشتغال بما ينفعها وأولادها من طلب العلم الشرعي، وخاصة العناية بتربية الأبناء وفق ماجاءت به النصوص الشرعية، وكذلك تعليم النساء المسلمات الخير، والدعوة إلى الله، بل وكذلك يساعدها ذلك في تجملها لزوجها، لما لها من فرصة أكبر لتكون دائما متجملة ومؤدية حق زوجها كلما دخل إلى بيتها أسرته بكل ما تعنيه الكلمة.
فهذا إن كانت المرأة ليست هي الزوجة الوحيدة، فلا شك أنه سيساعدها بإذن الله في تحقيق هذه الأمور. فالتعدد إذا كان وفق الضوابط الشرعية يكون في مصلحة المرأة، والرجل كذلك تكون في مصلحته حيث إن خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، فهي حقا التي تعرف حق ربها، وحق زوجها، وكل حق ستسأل عنه أمام ربها.
أود أن أبين أني أعرف جيدا أن مسألة الغيرة موجودة في الإنسان، وخاصة بين النساء وأزواجهن، فطبيعي أن المرأة تغار على زوجها لحبها له، ولكن هناك غيرة غير محمودة، والبعض من الزوجات قد تبالغ جدا في هذه المسألة، وتكيد على غيرها. ولكن أنا أعلم أن المرأة التي تخاف ربها تكون هي سببا ليكون زوجها عادلا بين جميع زوجاته، ولا تفتن زوجها، وتساعده في ظلمهن، وإن كان يظهر محبته لإحداهن أكثر من غيرها. وكذلك لا تنتقم الزوجة الصالحة، ولا تتجرأ على غيرها إن أحست بالظلم، ولا تقابل السيئة بالسيئة، بل تصبر وتحتسب الأجر.
وفي هذه الحالة تتذكر المرأة التقية أنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. فكلما يحصل لها من ضرائرها تكون هي الفطنة في ردها لهن، وتبين لهن الصواب في التعامل، وكذلك لا تأخذ منهن الزوج، وتبين لهن أنه يحبها أكثر، وإلخ كما يفعل بعض النساء من تصرفات غير لائقة.
حقيقة لقد أعجبني ما قيل لي عن هذا الأخ، ووجدت أن له محبة كبيرة جدا في قلبي طوال هذه الفترة؛ لما فيه من صفات محمودة، ومنها حبه لله ورسوله والدار الآخرة، ورغبتي فيه أن يكون أبًا لأولادي -إن قدر الله لي-، فهو أخ لا يحب الدنيا، ولا يركن إليها، ويؤثر الآخرة عليها، وهذا ما أرتاح له لنفسي ولأولادي. وأسأل الله دوما أن يجعلني موفقة ومباركة أينما كنت، وينفع بي الناس.
أحسن الله إليكم. ما هي نصيحتكم؟ بارك الله فيكم.
هل في رأيكم كون أنه مر على هذا الأمر عام يدل على أنه ينبغي أن أتركه؟ كنت استخرت عندما عرفت به ابتداء، ولكن منذ ذلك الوقت لقد أغلق أهلي الأمر بكل هدوء؛ لأني لم أقاوم، أو أجادل، وإن كان في قلبي حزن شديد؛ لأني خشيت أن أكون قد قصرت في أمر كان ينبغي أن أتصرف بشكل آخر فيه.
الأمر حاليا مسكوت عنه، مع أن هذا الشخص ما زال يزورنا كثيرا. فلا أدري إن كانت نصيتحكم بأن أترك الأمر، أم أعيد فتحه، وإن كنت أخجل جدا جدا أن أخبر أحدا بما في قلبي، وهذا هو الأمر منذ البداية، أني كرهت أن أصر على أنه هو الشخص الذي رضيت به، ولكن أهلي لا يؤيدونني.
وبشكل عام لا أتوقف عن الدعاء بتيسيره إن كان خيرا لي، وبصرفه عني إن كان شرا.
وأسأل الله التوفيق والسداد لي ولكم. وجزاكم الله عنا خير الجزاء، وتقبل منكم.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على حرصك على الزواج من رجل صاحب دين وخلق، ففي ذلك امتثال للشرع، وسلوك السبيل الأقوم الذي تتحقق به مصلحتك، روى ابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.

والزوج الصالح إن أحب المرأة أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها، كما قال الحسن البصري.

وكون الرجل له زوجة أخرى لا يمنع شرعا من الزواج منه، فأفضل هذه الأمة أكثرها نساء، وقد تزوج كثير من الصحابيات ممن هو معدد في الزواج؛ كالصديق، والفاروق -رضي الله عن الجميع-.

ولا شك أن في التعدد كثيرا من المصالح الشرعية منها ما ذكرته ومنها غيرها، وللمزيد يمكن أن راجعي الفتوى: 71992.

وإن كان هذا الرجل لا يزال يرغب في الزواج منك، فليس هنالك ما يمنعك شرعا من السعي في سبيل إقناع أهلك بالموافقة على زواجك منه، وإن طالت المدة منذ بداية الكلام في هذا الموضوع، ويمكنك أن تستعيني بمن ترجين أن يسمع أهلك لقوله، ويستجيبوا له، فإن اقتنعوا؛ فالحمد لله، وإلا فمن حقك رفع الأمر للقضاء الشرعي لينظر فيه، فإن ثبت عنده أن أباك عاضل لك، زوَّجك القاضي الشرعي، أو وكل من يزوجك.

ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى: 52230، والفتوى: 75183.

والدعاء أمر مهم، وربنا سبحانه سميع مجيب، وهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

وعند الهَمِّ بالأمر تكون الاستخارة، وحقيقتها تفويض الأمر لله سبحانه ليختار لعبده الأصلح؛ فهو سبحانه العليم القدير المطلع على عواقب الأمور، وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 19333، والفتوى: 123457.

وفي نهاية المطاف إن تيسر لك الزواج من هذا الرجل؛ فبها ونعمت، وإلا فاستعيني بأهل الثقة من أقربائك وصديقاتك عسى الله أن يبدلك من هو خير منه، ولا حرج شرعا في بحث المرأة عن الأزواج؛ كما بينا في الفتوى: 18430.

والله أعلم.