عنوان الفتوى : حكم تخفيف اللحية لتجنب تهديدات الأب
أعلم أن إطلاق اللحية أمر واجب، ومنذ قررت أن أطلقها، وأهلي وكل من حولي ضدي في هذا الموضوع، وفي كل حين والآخر يجادلونني في لحيتي، ويغضبون مني أشد الغضب، والبارحة حرمني أبي من الهاتف، وهددني بإخراجي من الجامعة.
ووالله في بعض الأحيان عندما يجادلني أبي في اللحية أقبل يده، وأقول له: إني أطيعه في أي شيء ماعدا هذه، وكذلك الحال مع أمي، ولكن البارحة كما قلت كان الجدال عظيما، وضربني أبي، وقال: إنه غير راض عني، وأمي كذلك، وأخذت تصرخ عليَّ، وحاولت إرضاءها، وإرضاء أبي، لكن رضاهم في هذه الحالة كان مستحيلا، وقبلت قدم أبي فضربني، وقال: أنت لا يهمك إلا نفسك، وهددني بنقلي من الجامعة.
أنا منذ زمن وأنا أكره أبي؛ لأنه دائما ما يعاملني بقسوة، ومنذ هداني الله -ولا أزكي نفسي عياذا بالله- وهو ضدي في كل شيء في الالتزام يعني أني تغيرت معه، وأصبحت أحاول إرضاءهم في كل شيء، وفي المقابل أبي يحاول قدر المستطاع أن يقلل في النوافل، حاول مرة أن يقلل في الأيام التي أصومها بفضل الله، وأجلس كل يوم في المسجد من الفجر حتى الشروق. قال لي: لا تفعل ذلك، وتعال إلى بيتك بعد الفجر، ويراني أذكر الله في مكان عام، فينكر عليَّ، ويتضايق عندما أنكر عليه أنه لا يتكلم مع أقاربه، وأن هذا قطع رحم، أو أنكر عليه نظره للتبرج في التلفاز، ويصفني بالتزمُّت، ولكني خففت لحيتي، وأخذت منها.
فهل في هذه الحالة يجوز أن آخذ برأي الشيخ -لا أتذكر اسمه-، و لكنه من المعاصرين الذين قالو بجواز الأخذ ما دون القبضة؟ ماذا عن قطع الرحم؟ أحاول أن أصل ما استطعت، لكن هناك من يكون أبي هو الوحيد الذي أستطيع من خلاله أن أصله، مثل عم أبي، لا أعرف مكانه، ولا حتى هاتفه، ومع ذلك لا يريد أبي أن يصله. فهل عليَّ شيء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وعلى بر والديك، وصلة رحمك.
وأما مسألة اللحية، فأخذ ما دون القبضة منها إن بقي بعده ما يحقق إعفاءها، فلا يحرم مطلقا عند كثير من أهل العلم! وراجع في تفصيل ذلك الفتوى: 326665.
وأما إن كان مراد السائل بتخفيفها: إنهاكها بما يقارب حلقها، فهذا يرخص فيه طالما بلغ حال والديه معه بسببها إلى ما ذكر من: الغضب عليه، والضرب، والتهديد بإخراجه من الجامعة.
ومع ذلك نوصيه بالاستمرار على ما ذكر من إرضاء والديه، وبرهما والإحسان إليهما، وليدع لهما بالتوفيق والهداية.
وأما صلة الرحم، فمن عرفت منهم فصِلْهم، ومن لم تعرف منهم، أو لم تسطع الوصول إليهم، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. واجعل نصحك لوالدك في هذا الباب رفيقا رقيقا، لعل الله تعالى أن يشرح صدره ويهديه بسببك.
ثم إننا نوصيك بالصبر على طاعة الله، وبالصبر عن معصيته، وبالصبر على أذى والديك، والإحسان إليهما وإن أساءا، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود: 114، 115].
وقال عز وجل: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14، 15].
وتذكر وصية لقمان لابنه بعدها حيث قال: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17].
والله أعلم.