عنوان الفتوى : طهارة وصيام من يجري الغسيل البريتوني
أنا مريضة من مرضى الفشل الكلوي، أبلغ من العمر 56 عامًا، في شهر مارس من 2019 ازدادت حالتي سوءًا، ولم يكن لي خيار سوى أن أدخل الغسيل الكلوي، ولكن لسوء أحوال الغسيل الكلوي الدموي في بلادنا، قررت إجراء الغسيل بطريقة أخرى تسمى: "الغسيل البريتوني"، أو "غسيل الكلى الصفقي"، وخضعت لعملية يتم من خلالها فتح البطن من جهة بجانب السُرة، وإدخال أنبوب: "خرطوم رقيق" يدخل للغشاء الصفقي للبطن، ويخرج منه لخارج بطني -40 سم تقريبًا-.
تتم عملية الغسيل عن طريق تدفَّق سائل التطهير عبر الأنبوب إلى جزء من البطن، تعمل بطانة البطن (الصفاق) كمُرشِّح، وتُزيل الفضلات من الدم، وبعد فترة زمنية محدَّدة يتدفَّق السائل مع الفضلات المُصفَّاة خارج البطن، ويُتخلَّص منه، أي أنه في الغسيل البريتوني يُنظف الدم داخل الجسم باستخدام غشاء يسمى البريتون -وهو غشاء رقيق يغطي كل الأعضاء في البطن-، والأنبوب يكون بين الغشاء والأعضاء، وبضخ سائل الغسيل إلى هذا التجويف، تمر المخلفات من الجسم إلى السائل، وكل أربع ساعات في اليوم أقوم بإخراج السائل القديم في كيس خارجي، وإدخال السائل الجديد، وهذا يُسمى بالغسيل اليدوي.
ويوجد نوع آخر سأستعمله بعد مدة يسمى: الغسيل الآلي الليلي، وهو عبارة عن تركيب جهاز بالأنبوب عندما أريد النوم لمدة 9 ساعات تقريبًا، ويقوم الجهاز تلقائيًا بإجراء عدد من الغسلات وحده -قد تصل إلى 6 غسلات-، أي يُدخل السائل ويفرغه تلقائيًّا، ويبقى جزء من المحلول في البطن بمعدل لتر تقريبًا في البطن طيلة النهار، فهل أنا بحاجة إلى إعادة الوضوء في كل مرة أقوم بالغسيل البريتوني فيها؟ وهل السائل الذي يخرج مني نجس؟ وما حكم الصيام والمحلول داخل تجويف البطن في حالة الغسيل الآلي (الليلي)، أو عند الغسيل اليدوي (النهاري)، وتغير المحلول أربع مرات؟ وهل يعتبر مفطرًا أو لا؟ بارك الله فيكم، ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- أن يشفيك، ويعافيك.
وأما مسألة نقض الوضوء بهذا النوع من الغسيل (البريتوني)، فهي محل نظر وخلاف بين أهل العلم.
والأظهر أن خروج سائل هذا الغسيل من الجسم، له حكم البول، فيكون نجسًا، وناقضًا للوضوء، قال الشيخ خالد المشيقح في دورة «فقه النوازل في العبادات»: الخارج -يعني من عملية غسيل الكلى- نقسمه إلى قسمين:
1 - إن كان دمًا، فهذا لا ينقض.
2- أو يكون غير دم، كبول، أو غائط، أو ما له صفة البول أو الغائط، كما في الغسيل البروتيني؛ لأن الغسيل البروتيني فيه صفة البول؛ لأنه يحتوي على السموم، والفضلات ... التي تكون في البول.
فالغسيل البروتيني: مذهب الحنابلة، ومذهب الحنفية أنه ينقض.
ومذهب الشافعية التفصيل: إن كان تحت السرة، فإنه ينقض، وإن كان فوق السرة، فإنه لا ينقض.
والأقرب في هذه المسألة: أن الغسيل البروتيني أنه ينقض الوضوء؛ لأن هذا الخارج لا يأخذ حكم الدم، وإنما يأخذ حكم البول؛ لأن فيه صفات البول من الفضلات، والأملاح، والسموم ...اهـ.
وهناك ملمح آخر لخلاف أهل العلم في هذه المسالة، وهو: انفتاح أو انسداد مخرج البول الأصلي عند خروج سوائل الغسيل، وراجعي في ذلك الفتوى: 70717.
وكذلك مسألة الإفطار، فيها نظر بين المعاصرين.
والأظهر أن هذا النوع من الغسيل يفطر، ولكن ليس لوصول سائل الغسيل إلى الجوف، وإنما لاختلاطه بالأملاح، والمعادن، وسكر الجلوكوز، قال الدكتور عبد الرزاق الكندي في أطروحته للدكتوراة: «المفطرات الطبية المعاصرة، دراسة فقهية طبية مقارنة»: بحسب ما سبق من مقدمات طبية حول الغسيل البريتوني؛ فإنّ الذي يظهر للباحث أن الغسيل البريتوني مفسد للصوم؛ للأسباب الآتية:
1. أنه يتم إدخال كمية كبيرة من السوائل: (الماء، والأملاح، والمعادن، والسكر) بحيث تتفاعل مع الدم لمدة طويلة، ويتم انتقال هذه المواد إلى الدم، وهي كثيرة، كما هو متقرر طبيًّا.
2. أنّ هذه العملية تستمر لساعات طويلة، ما بين 4- 5 في الغسيل اليدوي، 7 - 9 في الغسيل الآلي؛ مما يدل على أنّ كمية السكريات، والأملاح الداخلة إلى الدم كبيرة، ويمكن استغناء الجسم بها عن الطعام لمدة من الزمن.
3. أنّه إذا كان الغسيل البريتوني يمد الجسم بالمواد الحيوية من الأملاح، والسكريات؛ فإن حكم الغسيل البريتوني هو حكم الحقن المغذية، حيث وجه التفطير فيها ليس وصولها إلى الجوف، وإنما استفادة الجسم من السكريات، والأملاح الكثيرة الداخلة إلى الدم خلال العملية، فهو بمعنى الأكل والشرب. اهـ.
وراجعي للفائدة، الفتوى: 259006.
والله أعلم.