عنوان الفتوى : إخراج الوصيّ الزكاة عن مال ابن أخيه البالغ إذا كان رافضًا إخراجها
السؤال
أنا وصيٌّ على ابن أخي اليتيم، وأخرج الزكاة عن أمواله كل عام، وابن أخي عمره 20 سنة حاليًّا، ونصحني أحد أصدقائي أن أستأذنه؛ لأنه بالغ دينيًّا، مع العلم أنه سيرفض إخراج الزكاة، فهل يجب عليَّ -كوني الوصيّ- إخراج الزكاة دون إذنه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن الوصاية على مال اليتيم تنتهي ببلوغه رشدَه، والرشدُ أمر زائد على مجرد بلوغ سن التكليف، جاء في الموسوعة الفقهية: وَالرُّشْدُ -عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ-: حُسْنُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَال، وَالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِثْمَارِهِ وَاسْتِغْلاَلِهِ اسْتِغْلاَلاً حَسَنًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: صَلاَحُ الدِّينِ وَالصَّلاَحُ فِي الْمَال.
وَهَذَا الرُّشْدُ قَدْ يَأْتِي مَعَ الْبُلُوغِ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا؛ تَبَعًا لِتَرْبِيَةِ الشَّخْصِ، وَاسْتِعْدَادِهِ، وَتَعَقُّدِ الْحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ وَبَسَاطَتِهَا.
فَإِذَا بَلَغَ الشَّخْصُ رَشِيدًا، كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.
وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَكَانَ عَاقِلًا، كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَل تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْل، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأِنَّ مَنْعَ الْمَال عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيل الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيل الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالإْنْسَانُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ وَصَلاَحِيَّتِهِ لأَنْ يَكُونَ جَدًّا لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الشَّخْصَ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَلَكِنْ لاَ تَرْتَفِعُ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ، وَتَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ؛ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، فَإِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلِيَاءَ وَالأْوْصِيَاءَ مِنْ دَفْعِ الْمَال إِلَى السُّفَهَاءِ، وَنَاطَ دَفْعَ الْمَال إِلَيْهِمْ بِتَوَافُرِ أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ، وَالرُّشْدِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَال إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ. اهــ.
وعلى هذا؛ فانظر في شأن ابن أخيك، فإن علمت أنه راشد، يحسن التصرف في المال؛ فادفع له ماله، ولا ولاية لك عليه.
وإن ظهر لك أنه غير رشيد، لا يحسن التصرف في المال؛ فلا تدفع إليه ماله، ولا بدّ أن تخرج عنه الزكاة، وتكفي نيتك أنت في إخراج الزكاة عنه، ولا يشترط أن ينوي هو، فقد نصّ الفقهاء على أن الولي هو الذي ينوي إخراج الزكاة عن السفيه، وله أن يفوّض إليه النية ما دام من أهل النية، جاء في دليل المحتاج شرح المنهاج: ويلزم الوليَّ النيةُ إذا أخرج زكاةَ الصبيِّ، والمجنون، والسفيه؛ لأنه قائم مقامه، وله تفويض النية للسفيه؛ لأنه من أهل النية. اهــ.
والله أعلم.