عنوان الفتوى : حدود تصرف الولي في مال المحجور
لقد توفي والدي -عليه رحمة الله تعالى- والورثة هم: أنا، وأخي، ووالدتي، وجدي. ولكن جدى يبلغ من العمر مائة عام، ولا يستطيع تذكر شيء، ويجلس مع عمي لكي يراعيه؛ لأن عمي حاليا بمثابة الوصي على جدي. فتواصلت مع عمي لكي أقول له بأن جدي يستحق أن يرث من أبي، فبكى عمي، وقال لي بأن والدكم أحسن تربيتكم، وإنني الآن الوصي على جدك، وأعلمكم بأن جدك لا يريد شيئا سوى الدعاء، بل من الواجب أن نساندكم، ونصحني عمي بألا أكتب جدي في الإعلام الشرعي الذي سيصدر من المحكمة؛ لأن جدي لا يقدر على التحرك أو السفر، أو الكتابة مهما كانت الأحوال. نحن لا نريد أن يتعب جدي في آخر أيامه بين الإمضاءات واللجان الطبية؛ لأنه غير مدرك لما حوله. علما بأننا متفقون عائليا، وربنا أنعم علينا بنعمة التوافق فيما بيننا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فليس من حق عمك أن يتنازل عن شيء من نصيب أبيه في الميراث، وكونه كبيرا في السن، أو لا يعقل هذا لا يبيح التصرف في حقه بالهبة ونحوها، والتنازل عن النصيب من الميراث في حكم الهبة، والوصي لا يجوز له أن يهب من أموال المحجور عليه شيئا.
جاء في الموسوعة الفقهية: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَال الْمَحْجُورِ إِلاَّ عَلَى النَّظَرِ وَالاِحْتِيَاطِ، وَبِمَا فِيهِ حَظٌّ لَهُ وَاغْتِبَاطٌ؛ لِحَدِيثِ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ أنَّ مَا لاَ حَظَّ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ الْعِوَضِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ لاَ يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَابَى بِهِ أَوْ مَا زَادَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْ دَفَعَهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ، لأِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ ضَرَرًا مَحْضًا. اهــ.
فالواجب عليكم الآن أن تعطوا جدكم نصيبه من ميراث ابنه، وإن كان جدكم مدركا عاقلا، فهو ولي نفسه، وليس لأحد أن يكون وصيا عليه في أمواله، فإن شاء احتَفَظَ بنصيبه، وإن شاء تنازل عن نصيبه، ووهبه لمن شاء منكم، أو لغيركم، وبالطريقة التي يريدها، وإن كان جدكم غير مدرك حُفِظَ له نصيبه كاملا، ودُفِعَ للوصي عليه، ولم يجز للوصي عليه أن يتنازل عنه.
والله تعالى أعلم.