عنوان الفتوى : بيان سبب جزع عمرو بن العاص عند الموت
السؤال
بارك الله فيكم. هل سبب جزع عمرو بن العاص، وعدم يقينه في مصيره يوم القيامة عند الاحتضار أنه لم يقف مع علي -رضي الله عنه-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ورد من جزع الصحابي الجليل عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه-، قد جاء مبينا في مسند الإمام أحمد طبعة مؤسسة الرسالة (29/ 318):
...أن عبد الرحمن بن شماسة، حدثه قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى، فقال له ابنه عبد الله: لم تبكي، أجزعا على الموت؟ فقال: لا والله، ولكن مما بعد. فقال له: قد كنت على خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله.
إني كنت على ثلاثة أطباق ليس فيها طبق إلا قد عرفت نفسي فيه: كنت أول شيء كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلو مت حينئذ وجبت لي النار، فلما بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنت أشد الناس حياء منه، فما ملأت عيني من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا راجعته فيما أريد حتى لحق بالله عز وجل حياء منه، فلو مت يومئذ قال الناس: هنيئا لعمرو، أسلم وكان على خير، فمات فرجي له الجنة.
ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء، فلا أدري علي أم لي، فإذا مت فلا تبكين علي، ولا تتبعني مادحا ولا نارا، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، وسنوا علي التراب سنا، فإن جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر، ولا تجعلن في قبري خشبة ولا حجرا، فإذا واريتموني، فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها، أستأنس بكم.
قال محققوه: وهو حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.
وفي مسند أحمد أيضا: عن أبي نوفل بن أبي عقرب، قال: جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا، فلما رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو، قال: يا أبا عبد الله؛ ما هذا الجزع، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدنيك ويستعملك؟ قال: أي بني، قد كان ذلك، وسأخبرك عن ذلك: إني والله ما أدري أحبًّا كان ذلك، أم تألُّفًا يتألفني، ولكني أشهد على رجلين أنه قد فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن سمية، وابن أم عبد، فلما حدثه وضع يده موضع الغلال من ذقنه وقال: اللهم أمرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا إلا مغفرتك، وكانت تلك هجيراه حتى مات.
قال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
وبهذين الحديثين يتبين سبب جزعه -رضي الله عنه- وهو: أنه كان يخاف من وقوفه بين يدي ربه، فيسأله عما عمل وقدم من عمل في ولايته وسلطانه، وهو لا يدري هل أحسن في ذلك أم لا؟ وهل له به الأجر أم عليه منه تبعة؟ وأنه كان يخشى أنه قد تجاوز فيما أراد الله منه في عمله وحكمه.
أما أن ذلك كان بسبب عدم وقوفه مع علي -رضي الله عنهما- خاصة فلم نطلع على ما يفيده.
والله أعلم.