عنوان الفتوى : الواجب على من ماطل صاحبه في قضاء الدَّين وتشاجر معه وكسر يده
السؤال
كان لدي صديق قبل سنوات أقرضني مالًا، ولم أرجع له ذلك المال -مع أنه طالبني به-، وتخاصمت معه بسبب ذلك، وتعاركنا، وضربته، وتسببت بكسر في يديه، ومرت الأيام والسنوات ونسيته تمامًا، ولم نعد أصدقاء منذ ذلك اليوم، فهل له حق عليّ؟ وكيف أرد حقه؟ مع أن أغلب الظن أن أباه يكرهني، وهو كذلك، ولا أستطيع مواجهتهم، وأولاد حيّه حذروني من أن الاقتراب من حيّهم.
وتخاصمت مع صديق آخر العام الفائت، ولم نكلّم بعضنا بعدها، لكننا عندما كنا نجتمع مع أصحابي ويكون بينهم، كنت أسلم عليه عندما أسلم عليهم، وأرد سلامه عندما يسلم، ولا نكلم بعضنا أكثر من السلام، ورده، والتصافح بالأيدي، وإذا مر عليَّ فلا ينظر أحدنا للآخر، فهل أعد من المتخاصمين والمتشاحنين الذين استثناهم الله في نصف شعبان، ويوم الاثنين والخميس؟ مع أن هذا الصديق فرّقتنا الحياة، وحتى لو تصالحت معه فنحن لا نلتقي أصلًا، ولا فائدة من مصالحته، أو مصادقته الآن.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما صديقك الأول؛ فإنه يلزمك تجاهه أمور:
أحدها: رد ماله له، أو استحلاله منه، فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ.
وثانيها: إن كنت ماطلت في أداء حقه دون عذر شرعي، فعليك أن تتوب إلى الله أولًا من ظلمك له، وتطلب المسامحة منه؛ لما أخرجه البخاري ومسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيٍّ، فَلْيَتَّبِعْ. وقال: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه. أخرجه البخاري.
ثالثها: أن تطلب منه مسامحتك على ضربه، وكسر يديه، وأرضه بما أمكن من وجوه الترضية السائغة شرعًا.
وبقيامك بهذه الأمور تكون قد رددت له حقه.
ولا تخف من مواجهته، وإذا خفت، فأدخل بينكما مصلحين من الناس من ذوي الوجاهة والقبول للإصلاح بينكما.
وأما صديقك الثاني، فلا ندري أيكما الظالم في الخصومة.
وبكل حال؛ فينبغي أن تطلب منه المسامحة؛ إذ قلما تحصل خصومة بين اثنين إلا كان لكل واحد منهما حق عند صاحبه.
وأما مسألة الهجر: فلا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ لحديث أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ. متفق عليه.
وإذا كان الهجر لأمر دنيوي لا ديني، فصاحبه يفوته ما يحصل من عفو، ومغفرة في ليلة النصف من شعبان، ولا ترفع أعماله في يومي الاثنين والخميس، كما بينا في الفتوى: 111881.
وقد يشرع الهجر في حالات، بيناها في الفتوى: 334705.
ويكفي في ترك الهجر إلقاء السلام ورده عند التلاقي، ولو لم يكن هناك استرسال في الكلام، فمجرد السلام مزيل للقطيعة، ورافع للهجر، كما بينا في الفتويين التاليتين: 385453، 348808.
والله أعلم.