عنوان الفتوى : مطالبة الوالدين بمبلغ تجهيز الشقة، وهل تلزم الابن نفقتهما مع دفع الإيجار لهما؟
السؤال
أنا شاب عمرى 26، لي أسرة فقيرة، وأبي لا يملك المال، وأنا أعمل وأنفق على أسرتي، وأبي وأمي لا يملكون غير شقتين، واتفقوا معي على أن الشقة الثانية تصبح لي؛ حتى أتزوج فيها.
وعندما أقبلت على الزواج، أخذت منهم الشقة، فقالت لي أمي: يجب عليك أن تدفع إيجارًا مثل الغريب؛ لأنها تحتاج إلى المال، مع العلم أني لا أمسك عنهم شيئًا، وأعطيهم ما أرادوا.
وعندما استلمت الشقة أنفقت عليها الكثير حتى تصلح للعيش فيها، وعندها قلت لأمي: اعفيني من الإيجار لمدة زمنية؛ حتى أسترد هذا المال الذي أنفقته على الشقة، فقالت لي: أنت الذي سوف تعيش في هذه الشقة، وتستخدم هذه الأشياء، وليس عليّ أن أدفع لك شيئًا، بل تسكن حتى يرزقك الله شقة أخرى ثم تتركها، وكل ما أطلب منها أن تعوضني عن ذلك المال بأية صورة تصرخ في وجهي، وتغضب كثيرًا، فما الواجب عليّ فعله؟ هل أترك هذا المال، ولا أسترده مرة أخرى؟ وهل يلزمنى دفع الإيجار، والنفقة معًا، أم أدفع أحدهما؟ وهل من الطبيعي أن تكون المعاملة من أهلي بهذا الأسلوب، وهم يعلمون أني في بداية طريقي، وأحتاج إلى المال حتى أتزوج.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام والداك قد أذنوا لك في سكنى الشقة، وقد أنفقت عليها بإذنهم، أو علمهم، ثمّ طلبوا منك أجرة سكناها؛ فمن حقّك المطالبة بقيمة ما أنفقته على الشقة، إمّا أن يعطوك إياه، وإما أن يحسبوه من أجرة السكنى، فقد جاء في النوادر والزيادات على ما في المدونة: قال ابن القاسم في المدونة فيمن أذنت له في البناء في عرصته، أو أن يغرس، ففعل، ثم شئت إخراجه، فإن لم يمض من الأمد ما يبني ذلك لمثله، لم يكن ذلك، إلا أن يعطيه ما أنفقه، وقال في موضع آخر: قيمة ما أنفقه. وفيها أيضًا: وروى مطرف، وابن الماجشون عن مالك: أن كل بانٍ، أو غارس في أرض قوم بإذنهم، أو بعلمهم، فلم يمنعوه، فله قيمة ذلك قائمًا. انتهى.
وإذا كان والداك فقيرين، وكنت موسرًا، فعليك نفقتهما بالمعروف، وإذا دفعت لهما أجرة الشقة، فاستغنوا بها؛ فلا يلزمك أن تدفع إليهم نفقة.
وأمّا إذا لم تكفهما الأجرة لنفقتهما؛ فعليك تتمة النفقة لهما، قال البهوتي -رحمه الله- في الروض المربع: تجب النفقة كاملة إذا كان المنفَق عليه لا يملك شيئًا، أو تتمتها، إذا كان لا يملك البعض. انتهى.
وينبغي على والديك أن يرفقوا بك، ولا يكلفوك ما يشقّ عليك، وعليك أن تجتهد في برّهما، والإحسان إليهما قدر استطاعتك.
وإن استطعت أن تدفع لهما أجرة الشقة، ولا تطالبهما بقيمة ما أنفقت؛ فهذا أفضل، فقد جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ ... يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لِي وَالِدَةٌ، وَأُخْتٌ، وَزَوْجَةٌ، فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا، قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك؛ فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ، سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ، أَيْ: وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. اهـ.
وأخلص النية لله تعالى، واحتسب الأجر عند الله تعالى، وأبشر بعظيم الأجر، وجزيل الثواب؛ فإنّ بر الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبّها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته، وتوفيقه.
والله أعلم.