عنوان الفتوى : تقديم محبة الصحابة والتابعين على محبة الوالدين
السؤال
هل الواجب عليّ حب الصحابة والتابعين أكثر أم حب والديّ؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن محبة الوالدين محبة طبيعية جبلية، وأما محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، فهي محبة دينية شرعية، وهي مأمور بها شرعًا، وهي من مقتضيات الإيمان.
ولم يأتِ في الشرع -فيما نعلم- أمر بأن تكون محبة الصحابة وأتباعهم مقدمة على محبة المؤمن لوالديه، وإنما جاء هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال جمع من أهل العلم: إن المراد بتقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة الولد، والوالد، والنفس هو: تقديم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتّباعه في الواجبات على مقتضى سائر المحبوبات -من النفس، أو الوالدين، أو غيرها-، لا معالجة المحبة الجبلية، وتغييرها؛ لأن هذا لا سبيل إليه.
ويتضح هذا بالوعيد الوارد على تقديم محبة الآباء والأبناء على الجهاد، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {التوبة:24}، مع تصريح القرآن الكريم بأن القتال مكروه للنفوس، كما قال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
فالخلاصة: أن المحبة الشرعية مختلفة عن المحبة الجبلية الطبيعية النفسية، وأن الأمر بتقديم المحبة الشرعية، لا يقتضي تغيير المحبة الجبلية؛ لأن هذا لا سبيل للعبد إليه، وإنما المقصود بتقديم المحبة الشرعية: هو تقديم امتثال أوامر الشرع على مقتضى محبوبات النفوس، فكيف إذن بمحبة الصحابة -رضي الله عنهم- وأتباعهم، والتي لم يأتِ أمر بتقديمها على محبة النفس، أو الوالدين؟!
والله أعلم.