عنوان الفتوى : سفر المعتدة للعمل
أعيش في الغربة في تركيا مع أهلي، وكنت أعمل مدرّسة، وعندما تزوجت استقلت، وتركت العمل قبل الإجازة الصيفية، لكن زوجي أساء لي جدًّا بعد الزواج بتحريض من أهله، وتعرضت لإهانات كبيرة في مدة زمنية قصيرة، وكنا نعيش في منزل مستأجر، وكل مرة كان يذكر الطلاق في أي موقف مهما كان، ويخبرني أن أتخذ قراري إذا كنت سأطلب الطلاق، علمًا أنني كنت أطلب منه تحكيم الشرع، فكان يرفض، ويطلب مني حسم الأمر؛ لأنه سيسلم البيت، ولا يريد تكلف المال، وفي المرة الأخيرة وصلت الأمور حدًّا لا يعقل، وحزمت أشيائي، وجاء أبي وأخذني إلى مدينتي، وقال لي زوجي: عندما ينتهي الحيض أخبريني؛ حتى أطلقك، وسلَّم المنزل، وانتقل لبيت أمّه مع ابنته التي كنت أرعاها، وعندما أخبرته عبر الواتساب أني في طهر، قال: أنا الآن لن أطلقك، فليس معي المهر، فقلت له: أنت تعلم أنني مدرّسة، والعمل يبدأ في أيلول، وأنت لا تنفق عليَّ، ولا يمكن أن أبقى بلا عمل، أو أن أعمل ثم أتوقف للعدة، فبدأت حدة النقاش تزيد، وهو يقول لي: ليس لك نفقة، ولا شيء، ثم رمى يمين الطلاق برسالة، مكررًا ذلك عدة مرات، ولم أكن قد أخذت مهري بعد، وقرأت في بعض الفتاوى أنه يجوز للمعتدة أن تعمل إذا لم يكن لها نفقة، ومشكلتي أن الجهة التي كنت أعمل معها حين راسلتهم لم يجيبوني، وأنا كنت في حالة انكسار نفسي: كيف أعود، والكل يعلم أنني تركت العمل للزواج؟! وكيف أعود بعد فترة قصيرة مطلّقة...الخ. الأمر كان سيكون قاسيًا جدًّا. وفجأة قرأت إعلانًا لمؤسسة تعليمية للدراسات العليا، فراسلتهم من باب الفضول لإكمال دراستي، وعندما أخبرتهم بتخصصي قالوا لي: نحتاج لتخصصك للعمل معنا، لكن هذا العمل في مدينة أخرى، مع العلم أن عدم قبولي العمل في ذلك الوقت، كان معناه أني لن أجد عملًا بعد ثلاثة أشهر؛ لأن المؤسسات التعليمية تبدأ في أيلول، وإيجاد فرصة عمل في الغربة صعب جدًّا جدًّا. وبناء على ما قرأت عن جواز عمل المعتدة إن لم يكن لديها من ينفق عليها، سافرت، وأقمت في سكن للطالبات، وكنت أخرج للعمل والسكن فقط، وشراء طعامي، وطليقي لم يسأل عني إطلاقًا، وكذلك أهله، ولم ينفق عليَّ، وكلما أتذكر الأمر بعد مضي وقت، أفكر هل كان ما فعلته صوابًا شرعًا وفق الظروف التي ذكرتها؟ وهل عليَّ من شيء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها، إلا بإذنه، كما بين ذلك أهل العلم، ودلت عليه السنة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى: 211015.
فإن كان خروجك من البيت، وذهابك لبيت أهلك بإذن زوجك، فلا شيء عليك فيه.
وإن لم يكن بإذنه، فهذا نشوز، تجب عليك التوبة منه، والنشوز يسقط عن الزوج نفقة زوجته؛ حتى ترجع عن نشوزها، وراجعي الفتوى: 184025.
وإذا قصدت بكون زوجك رمى عليك يمين الطلاق، أنه طلقك -كما هو الظاهر-، فتجب عليك العدة، ولزوم البيت، وعدم الخروج منه نهارًا، إلا لحاجة، وليلًا للضرورة، بشرط المبيت في البيت، ومن الحاجة: خروج المرأة للعمل لكون زوجها لا ينفق عليها، وانظري الفتوى: 35808.
وأشد من مجرد الخروج سفر المعتدة، فإنه أعظم حرمة، وراجعي الفتوى: 65624.
فإن كنت سافرت للعمل في مدينة أخرى في مدة العدة، مع إمكانية أن تجدي عملًا يسد حاجتك -سواء التدريس أم غيره- في مدينتك، أو كان أبوك ينفق عليك، فأنت آثمة بهذا السفر، فتجب عليك التوبة النصوح، وشروطها بيناها في الفتوى: 5450.
والمطلقة لها حقوقها على زوجها، كالمهر، وهو لا يسقط عن الزوج بحال، والنفقة، إن لم تكن الزوجة ناشزًا، كما أسلفنا، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 9746.
بقي أن نعلق على ما ذكرت من تكرار زوجك الطلاق، ولم تذكري لنا كيفية هذا التكرار وصيغته، فالحكم فيه يختلف باختلاف الصيغة التي كرر بها الطلاق؛ ولذلك نحيلك للفائدة على الفتوى: 54313، والفتوى: 168527.
والله أعلم.