عنوان الفتوى : كيفية معاملة غير المسلمين

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أخي يدرس في أول متوسط، ودرس التسامح بين الأديان، وعدم التعصب وقبول الآخر، فكيف لي أن أقنعه بخطأ هذه الأفكار بحجج تناسب مستواه الفكري نظرا لسنه الصغير؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

مصطلح "التسامح بين الأديان" هو من المصطلحات التي تحمل حقا وباطلا، واتخذه بعض أهل الشبهات سلّما وطريقا لخلط الحق بالباطل، حيث جعلوا الأخلاق الكريمة التي يدعو إليها الإسلام، وسيلة إلى الدعوة إلى إقرار الكافر على كفره.

وهذا الخلط مما ترفضه الفطر السليمة، حتى الأطفال يهتدون إلى بطلان هذا الخلط إذا وضّح لهم.

فالطريق التي رسمها الإسلام لمعاملة أهل الأديان المختلفة، قائمة على خلقين كريمين يعظمهما كل أصحاب الفطرة السليمة على هذه الأرض.

الخلق الأول: هو الصدق.

فكيف يقرأ المسلم آيات عدة من القرآن الكريم تدل صراحة وبوضوح على كفر كل من خالف دين الإسلام ، وأنه متوعد بالخلود في النار إذا لم يتب، كما في "سورة البيّنة" التي يقرؤها الصغار والكبار، حيث قال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) البيّنة/6 – 8.

فكيف يخرج المسلم بعد أن يتلو هذه الآيات فيلقى الكافر فيقول له : أنت والمسلم عندي سواء، أليس هذا نوعًا من الكذب والنفاق؟!

فالمسلم مأمور أن يقول الصدق دوما، فهو الطريق الذي يصلح العلاقات بين الناس ويصلح أحوالهم.

وهذا الذي يدعو إلى إقرار الكافر على كفره والتسامح معه في ذلك كما أنه يكذب على الناس في هذه الدعوة، هو في الوقت ذاته يكذب على نفسه ويخادعها؛ فهو في دعوته هذه يتذرع بذريعة الرحمة والحب الإنساني، فالرحيم بالناس حقيقة، هل يرغب لهم أن يخلدوا في نار جهنم؟! بل الرحمة الحقيقية تؤدي إلى الاجتهاد في دعوتهم إلى النجاة من النار، كما هو خلق الرسل عليهم السلام، حيث كانوا يشعرون بالخوف والشفقة على أقوامهم، كما في قوله تعالى:

(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الأحقاف/21.

فالرحمة الحقيقة هي في إنكار كفر الكفار ودعوتهم إلى الصواب.

قال الله تعالى واصفا نبيه صلى الله عليه وسلم:

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة ...

وقال مسلم في صحيحه ... عن أبي هريرة قال: ( قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة ). " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/385).

الخلق الثاني: العدل والإحسان.

فالإسلام وهو يحثنا على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وعدم إقرارهم على الكفر، لم يأمرنا بإجبارهم على الإسلام، ولا على ظلمهم إن رفضوا.

بل أمرنا بالإحسان في دعوتهم، كما في قوله تعالى:

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/125.

فإن رفضوا وأقاموا على كفرهم، فقد حثنا على العدل في معاملتهم، وعدم ظلمهم.

قال الله تعالى:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي:

" وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه؛ بأن يطيع الله فيه.

وفي الحديث: ( أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).

وهذا دليل واضح على كمال دين الإسلام، وحسن ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، مبين أنه دين سماوي لا شك فيه " انتهى من"أضواء البيان" (2/ 8–9).

ولم ينهنا الله عن الإحسان إليهم إن لم يصدر منهم ظلم لنا، كما في قول الله تعالى:

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8–9.

فالحاصل؛ أن السبيل الذي خطه الشرع في معاملة غير المسلمين، هو السبيل الذي يجتمع مع أخلاق الصدق والعدل والإحسان التي فطر عليها الناس صغارا وكبارا.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (21534)، ورقم: (10232). 

والله أعلم.