أرشيف المقالات

خمس همسات رمضانية

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
خمس همسات رمضانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي النبي الأمين، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فهذه خمس همسات ونصائح رمضانية لكل مسلم ومسلمة، يبتغي رضا الله في رمضان، نسأل الله أن يَجعلنا من الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنَه.

(1) الرياء: أحبتي في الله، في طفولتنا كنا نقلِّد الكبار في صيام رمضان، وبعضنا كان إذا أصابه الجوع، أكل في مكان لا يراه أحدٌ من أهله، ثم يستمر يدَّعي أنه صائم؛ ليُثبت لهم أنه كبير مثلهم، قادرٌ على الصيام، ولم يكن يدري شيئًا عن الرياء والإخلاص في العبادة، ولكن بعد أن كبرنا وعرَفنا الحلال من الحرام والحق من الباطل، وهدانا الله - أدركنا أن جميع العبادات قد يقع فيها رياءٌ من بعض البالغين، ولكن مع العلم والقصد والنية غير الخالصة، ونرى ذلك في كثير من العبادات؛ كذكر الله تعالى، والصدقة والصلاة، وغير ذلك لكن الرياء لا يستمر في عبادة لو انفرد الواحد منا بنفسه، فهو لا يشق على نفسه؛ لأنه لا يبتغي رضا ربه الذي يراه ويعلم سريرته وعلانيته، إلا الصوم فاستمراره في الصيام لغروب الشمس رغم الخلوة بعيدًا عن العيون، دليل على أنها عبادة تستحق أن يقول عنها ربُّ العزة؛ كما في الحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"؛ جزء من حديث أخرجه البخاري/1904.

نسأل الله القبول والإخلاص في الصيام وغيره؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

(2) الخوف من الله بين القول والفعل:
أحبَّتي في الله، الكثير منا يقول: إنه يخاف من الله، ولكنه يغتاب وينم ويسرق ويرتشي، ويتكاسل عن الصلاة، ويجاهر بالمعاصي...
إلخ، ويقول: ربُّنا غفور رحيم! وبعضهم يطوف حول القبور ويقول: مَن قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة! وهلمَّ جرًّا.
 
نعم لا ينبغي للمسلم أن ييئس من رحمة الله، ولا يقنط قطُّ من مغفرته، ولكن ليست الأماني بالتمني، والجنة حفَّت بالمكاره والنار حفَّت بالشهوات، ولن يُرضي العبدُ ربَّه إلا بطاعته والخوف من عقابه، وطاعة رسوله صلي الله عليه وسلم.
 
وليكن رمضان البداية الحقيقية وصفحة جديدة بين صفحات سابقة امتلأت بالمعاصي، ولنسارع بالأفعال لا بالأقوال بلا كلل أو مللٍ؛ لنحقق بصدق وإخلاص حقيقة عبوديتنا لله تعالى في طاعته بالصلاة والقيام، وقراءة القرآن، والصدقات، والتسبيح والتهليل والتكبير وصلة الرحم وزيارة الأحبة، والرحمة والتسامح والعفو عمن ظلَمنا والصدقة، وغير ذلك من سبل الإحسان والبر والتعاون، لعل الله تعالى يرضى عنا، ويتقبل منا، وهو القائل عز وجل: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].
 
وليجدِّد كل واحد منا حياته في رمضان، فكل إنسان يحتاج إلى فترة راحة؛ ليجدد نشاطه ويزيد همَّته وقدراته على أداء العمل المطلوب منه، ومثال ذلك الطالب في مدرسته، فهو يجتهد في دراسته بالسهر والتحصيل، لا يستريح له حال، فإذا ما انتهى العام الدراسي، وكللَ مجهوده بالنجاح، فإنه يعمل على راحة نفسه فترة الإجازة؛ ليجدد نشاطه استعدادًا لعام دراسي جديد، وهكذا الطبيب في عيادته والعامل في مصنعه، والتاجر في متجره والفلاح في حقله وهَلُمَّ جرًّا.
 
والمسلم في علاقته بربه في حاجة كذلك إلى تجديد النشاط وزيادة الهمة، ويلتمس السبل التي تعينه على ذلك، ورمضان ولياليه وروحانياته التي نعيشها ونحس بها، ونراها رؤية عين، هي أفضل السبل لعلوِّ الهمة، فجدِّد حياتك، ماذا تنتظر؟
 
(3) هل أنت صادقًا حقًّا؟
أحبتي في الله، يغضب البعض أن قيل له: أنت كاذب، ويعتبرها إهانة شخصية لا تغتفر، وربما يغضب؛ لأن كرامته قد أهينتْ، وربما يخاصم ويقاطع مَن أهانه، وأنا معه وأحسبه صادقًا في دعواه والله حسيبُه.
 
ولكن هل هو صادق حقًّا؟ فكما تعلمون الكذب آفة عمَّت بها البلوى ومصيبة عظمى أوقعنا فيها الشيطان، وحب النفس واتباع الهوى، ونقول لكل مَن يدَّعي الصدق: ماذا تنتظر؟ أثبت دعواك والبيِّنة على مَن ادَّعى، وها هي رياح رمضان ونسائمه العطرة نعيشها ونراها رؤية عين، فكن من الصادقين مع الله، ثم مع الناس، ثم مع نفسك التي بين جنبيك، وكفى بقول الله تعالى حجةً عليك وعلينا: ﴿ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 8]، فإن صدَقت مع الله كنتَ من الصادقين حقًّا، وإلا صدقك من أهانك!
 
(4) كن مع قافلة الصائمين والمستغفرين:
أحبتي في الله، من أراد منكم في رمضان أن يكون مع قافلة الصالحين من الصائمين والذاكرين والمستغفرين بالأسحار، فلا يستقيم هذا وهو مدمن على مشاهدة المسلسلات والأفلام والبرامج التي تبيح المحرمات، ولا يستقيم هذا وهو يصلي في بيته تاركًا الجُمَعَ والجماعات، أو جالسًا على المقاهي يلعب ويلهو، فهذه منه سلبية وليست إيجابية؛ فليكن كل واحد منا إيجابيًّا، فأيام رمضان تمضي ولن تعود، والقافلة تسير إلى الإمام لبلوغ المراد، فكفاك غفلةً، وتذكَّر مقالة إبراهيم بن أدهم رحمه الله لرجل يوصيه: اعلم إنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات، أولاها: أن تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية: أن تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة: أن تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة: أن تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والخامسة: أن تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والسادسة: أن تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت.


وهكذا لا يكون المسلم إيجابيًّا إلا إذا غيَّر من نفسه وعاداته، وبالتوكل على الله تعالى وقوة إرادته وعزيمته، يبلغ مراده وهدفه، وأفلح إن فاز.
 
(5) الإحسان كالمسك:
أحبتي في الله، الإحسان كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه؛ يقول تعالي: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
 
قال الحسن البصري عن هذه الآية: إن الله جمع لكم الخير كلَّه والشر كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئًا من طاعة الله عر وجل إلا جمَعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئًا إلا جمَعه.
 
أحبتي في الله، ما أروعها من وصيةَ هلُمُّوا في رمضان نعمل بها ونداوم على عبادته وطاعته عز وجل، ونكثر من ذكره وشكره، ونُحسن إلى عبيده من أعماق قلوبنا، ولن نجد إلا المزيد من الخير، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان! واعلَموا أن من أعظم ما يملِكه الإنسان حبُّ مَن حوله - زوجته وأولاده، وأهله وجيرانه، وإخوته في الله - وقد يرى الواحد منا بعض العباد يحتقرونه لعدواته وتكبُّره، والبعض يكرهونه لماله ومكانته، وما أشبه ذلك، ولكن كلما زاد المسلمُ من عدله وإحسانه، سيرى العجب، والله المستعان وعليه التكلان.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير