عنوان الفتوى : تطليق الزوجة خوفًا من تكرار نشوزها، ومقدار متعتها
زوجة تركت منزل الزوجية إلى منزل أهلها، وبقيت عدة أشهر دون رغبة الزوج، ثم عادت بعدما توسلت للزوج، ووعدته أنها لن تكرر الأمر ثانية، ولكنها كانت تفتعل مشاكل مع الزوج بشكل مستمر، ثم بعد بضعة أشهر أخرى عادت إلى منزل أهلها في زيارة، ورفض والدها رجوعها لمنزل الزوجية دون سبب واضح، وحاول الزوج الاتصال بها بعد ذلك، لكن هاتف الزوجة كان مغلقًا باستمرار، واستمر الحال على ذلك مدة عامين، ثم تواصلت مع زوجها، فذهب الزوج إلى بيت والدها عدة مرات محاولًا إرجاعها إلى بيتها، وكانت تطلب منه طلبات لا يستطيع تنفيذها، وترفض الرجوع معه، وفي المرة الأخيرة تجمّع الأب، وأبناؤه، والزوجة، واعتدوا عليه بالنقاش، وتطاولوا عليه، ففرّ منهم مهرولًا، وانقطع عن الذهاب إليهم، وهي الآن تزعم أنها تريد العودة، ولكن الزوج مصرّ على طلاقها؛ لتكرار ذلك الفعل منها، ولأنه لا يطمئن لكلامها، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل تعد هذه الزوجة ناشزًا؟ وإذا طلقها، فهل لها نفقة متعة؟ وكيف تحسب؟ أفيدونا -جزاكم الله خيرًا-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في كون خروج الزوجة من بيت زوجها دون إذنه لغير ضرورة؛ نشوزًا، تأثم به، وتسقط به نفقتها، لكن إذا رجعت الزوجة إلى بيت زوجها، لم تكن ناشزًا، ووجبت عليه نفقتها بالمعروف، جاء في بغية المسترشدين - وهو من كتب الشافعية -: خرجت من بيت زوجها على سبيل النشوز، فلا بد لعود المؤن من عودها إليه، ولا يكفي قولها: رجعت عن النشوز، فليأت إليّ، ولا يكلف الزوج الإتيان إليها، وإن أمكنه، وكانت عادة البلد وهي من ذوي الأقدار، هذا هو المذهب، الذي لا ريب فيه، كما أفتى به القلعي، لكن ينبغي الإتيان إليها إذا طلبت منه ذلك؛ لما يترتب عليه من جبر القلوب، والوفاء بحسن العشرة، والمصاحبة بالمعروف. اهـ.
وإذا كان الزوج يخشى من عود الزوجة إلى النشوز، فلا حرج عليه في طلاقها، فالطلاق إذا كان لحاجة، فلا إثم فيه، ولا كراهة، قال ابن قدامة في المغني -عند كلامه على أقسام الطلاق-: ... والثالث: مباح، وهو عند الحاجة إليه؛ لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها. انتهى.
وإذا طلقها، فلها جميع حقوق المطلقة المادية، المبينة في الفتوى رقم: 20270.
ولها المتعة عند بعض أهل العلم، وقد اختلف العلماء في تقدير متعة المطلقة.
والراجح عندنا أنه ليس لها قدر محدد، ولكن يرجع في تقديرها إلى حال الزوج.
وإذا اختلف الزوجان في قدرها، فإنهما يرفعان الأمر للقاضي؛ ليفصل فيه، وانظري الفتوى: 30160.
أمّا إذا رجعت الزوجة إلى بيت زوجها، وعاشرته بالمعروف، فينبغي عليه ألا يطلقها، وأن يمسكها، ويعاشرها بالمعروف.
فإن عادت إلى النشوز، فله أن يطلقها، كما له أن يضيق عليها؛ لتختلع منه على مال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {النساء:19}، قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: وقال ابن مسعود، وابن عباس، والضحاك، وقتادة: الفاحشة المبينة في هذه الآية البغض، والنشوز، قالوا: فإذا نشزت، حلّ له أن يأخذ مالها، وهذا هو مذهب مالك. انتهى.
وقال ابن عثيمين –رحمه الله- في الشرح الممتع: وقوله: «أو نشوزها»، وهو معصية الزوجة زوجها فيما يجب عليها، فإذا صار عندها نشوز، وعضلها، وضيّق عليها لتفتدي، فلا حرج. انتهى.
والله أعلم.