عنوان الفتوى : فاحشة اللواط مجاوزة للشهوة المعتادة التي فُطر الناس عليها
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)} سورة الأعراف. ذُكر المسرفون مع معصيتهم، ومخالفتهم للفطرة، فما العلاقة بينهما؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أصل معنى الإسراف هو تجاوز الحد، قال الطبري: وأصل الإسراف: تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح، وربما كان ذلك في الإفراط، وربما كان في التقصير. غير أنه إذا كان في الإفراط، فاللغة المستعملة فيه أن يقال: أسرف يسرف إسرافًا، وإذا كان كذلك في التقصير، فالكلام منه: سرف يسرف سرفًا، يقال: مررت بكم فسرفتكم، يراد منه: فسهوت عنكم، وأخطأتكم، كما قال الشاعر:
أعطوا هنيدةَ يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم منّ ولا سرف
يعني بقوله: ولا سرف: لا خطأ فيه، يراد به: أنهم يصيبون مواضع العطاء، فلا يخطئونها. اهـ.
ولا ريب في أن تلك الفاحشة مجاوزة للحد الذي أباح الله، ومجاوزة للشهوة المعتادة التي فُطر الناس عليها، جاء في البحر المحيط لأبي حيان: وبل هنا للخروج من قصة إلى قصة، تنبئ بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء، وقيل: إضراب عن تقريرهم، وتوبيخهم، والإنكار، أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح، وتدعو إلى اتباع الشهوات، وهي الإسراف، وهو الزيادة المفسدة؛ لمّا كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة، وتجاوزوا المعتاد إلى غيره، ونحوه: بل أنتم قوم عادون. اهـ.
وقال ابن عاشور: والإسراف مجاوزة العمل مقدار أمثاله في نوعه، أي: المسرفون في الباطل، والجرم.
ووصفهم بالإسراف بطريق الجملة الاسمية الدالة على الثبات، أي: أنتم قوم تمكن منهم الإسراف في الشهوات؛ فلذلك اشتهوا شهوة غريبة؛ لما سئموا الشهوات المعتادة.
وهذه شنشنة الاسترسال في الشهوات؛ حتى يصبح المرء لا يشفي شهوته شيء، ونحوه قوله عنهم في آية أخرى: بل أنتم قوم عادون [الشعراء: 166].
ووجه تسمية هذا الفعل الشنيع فاحشة، وإسرافًا، أنه يشتمل على مفاسد كثيرة:
منها: استعمال الشهوة الحيوانية المغروزة في غير ما غرزت عليه؛ لأن الله خلق في الإنسان الشهوة الحيوانية لإرادة بقاء النوع بقانون التناسل؛ حتى يكون الداعي إليه قهري، ينساق إليه الإنسان بطبعه، فقضاء تلك الشهوة في غير الغرض الذي وضعها الله لأجله، اعتداء على الفطرة، وعلى النوع.
ولأنه يغير خصوصية الرجلة بالنسبة إلى المفعول به؛ إذ يصير في غير المنزلة التي وضعه الله فيها بخلقته، ولأن فيه امتهانًا محضًا للمفعول به؛ إذ يجعل آلة لقضاء شهوة غيره، على خلاف ما وضع الله في نظام الذكورة والأنوثة من قضاء الشهوتين معًا، ولأنه مفضٍ إلى قطع النسل، أو تقليله.
ولأن ذلك الفعل يجلب أضرارًا للفاعل والمفعول، بسبب استعمال محلين في غير ما خلقا له. اهـ.
وقال الشنقيطي في العذب النمير: {بل أنتم قوم مسرفون}، والإسراف مجاوزة الحد؛ لأن الله خلق لهم النساء، وجعل فيهن الجمال، وركّب فيهن الشهوة؛ والحكمة الكبرى في ذلك أن يقع التناسل، ويبقى نوع الإنسان؛ فمن صرف الشهوة إلى غير محلها، وجعلها في الذكر أسرف؛ لأنه جاوز الحد، ووضع الأمر في غير موضعه؛ لأنه لو اقتصر الرجال على الرجال، وتركوا النساء؛ لانقطع النسل، وانقطع بنو آدم، وخرب العالم كله؛ ولذا قال: {بل أنتم قوم مسرفون}. اهـ.
والله أعلم.