عنوان الفتوى : علاج الشذوذ
جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع العظيم، وزادكم قبولًا وتوفيقًا. أنا مصاب بنوع غريب من الشذوذ الجنسي، لم أجد مثل حالتي في النت، ولا أدري هل حالتي نادرة أم لا. أنا شاب رجل في كامل ذكورتي -ولله الحمد-، وملتزم. وانجذاب الرجل إلى المرأة نوعان: نوع عاطفيّ، ونوع جنسيّ. أما النوع العاطفي، فهذا عندي سليم، وفطري كأي رجل -ولله الحمد-، أما النوع الجنسي، فأنا شاذ فيه قليلًا، فأنا لا أشتهي الرجل أبدًا؛ لأني لديّ القدرات الجنسية الذكورية، وإنما هذا الشذوذ في داخل نفسي، فأنا أشتهي النساء بشدة، ولا أفعل الحرام، وأغض بصري، ولا أكلم الفتيات، وملتزم، ومن شدة شهوتي للمرأة أصبحت لا أشتهي جماعها فحسب، بل أشتهي أكثر من جماعها، فأصبحت كأني أتمنى أن أكون امرأة؛ لأستمتع بجسد المرأة بنفسي، أي أني أريد أن أذوق شعور المرأة وهي في جسدها، وجمالها، وشهوتها، وأريد أن أذوق لذتها ونشوتها، وهذا لا يعني أني أشتهي الرجل، وأحيانًا أشتهي أن يكون لي جسد امرأة، وأمارس الجنس مع امرأة أخرى، فإذا جاءت المرأة في خاطري، فلا أشتهي إلا ما شرحته لكم، وإذا ذُكِرت الحور العين في الجنة، فلا أشتهي جماعهن فحسب، بل أشتهي أكثر، كما ذكرت لكم، كأني لا أقتنع بأن الجماع الطبيعي يكفي بأن يسد غريزة الرجل والمرأة، هذا هو الشذوذ الذي أنا مصاب به، وعلمت أخيرًا أن هذه الأفكار تأتيني لأني أعزب، ولأنني صابر على شهوتي، وعلمت علاجًا وحيدًا هو الزواج -إن شاء الله تعالى-، فعندما سأنتهي من جماع زوجتي ستزول هذه الأفكار -إن شاء الله-، ولكن هناك عوائق أخرى تمنعني من الزواج؛ لذلك قد لا أتزوج في أقل من عشر سنوات، فكيف سأصبر في هذه السنوات بعد الصيام، وجهاد النفس، ولا أعلم علاجًا آخر، فإن كنتم تعلمون تمارين أو تدريبات عقلية تعينني على علاج هذا، فأرجو أن تدلوني -جزاكم الله خيرًا-، وسؤالي هو: بناء على هذه المعلومات: 1) قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء"، وقال: "الأجر على قدر المشقة". 2 )قال تعالى: "لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد"، وقال جل جلاله: "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين". 3) حرَّم الله الخمر في الدنيا، وأباحه في الجنة بعد أن صرف عنه آفاته. 4) حرَّم الله الحرير، والذهب على الرجال في الدنيا، وجعله لهم في الآخرة، وكذلك الشرب من آنية الذهب والفضة من الكبائر، وجعله الله للصالحين في الآخرة. 5) إذا تأملنا في الجنة نجد أن الله يجزي كل واحد من جنس عمله، فمثلًا الصحابي الجليل أعطى ناقة مخطومة في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن له في الجنة 700 مائة ناقة مخطومة، فكان جزاؤه من الشيء الذي صبر عليه، ولما تصدق النبي عليه الصلاة والسلام بالشاة إلا كتفها، فقال: بقيت كلها إلا كتفها، فكان الجزاء من جنس العمل. وأخيرًا سؤالي الوحيد هو: - إذا احتسبت الأجر على الله، وصبرت على هذا البلاء النفسي، موقنًا أنه لن يصيبني إلا ما كتب الله لي، فهل سيعطيني الله ما أشتهيه في الجنة، كأن تدخل روحي في جسد زوجتي من الحور العين، وتدخل روحها في جسدي، أو أدخل إلى جسد الحوراء، وأمارس الجنس مع حوراء أخرى؟ وجزاكم الله خير الجزاء. وختامًا أقول: إني استحييت منكم عندما كتبت لكم هذه الرسالة، ولكن هذا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا، وجزاك الله خيرًا على ثقتك بنا، وكتابتك إلينا، ونسأل الله تعالى أن يعيننا وإياك على طاعته، وأن يجنبنا الشيطان ونزغاته، وأن يعيننا على خدمة دينه، ونشر الخير في الناس، ويرزقنا الإخلاص، والقبول، إن ربنا سميع مجيب.
وهذه الحال التي أنت عليها أمرها غريب، وهي بلا شك نوع من الشذوذ، وقد يكون للشيطان فيها مدخل؛ ليمكر بك، ويستدرجك منها إلى ما هو أشد وأعظم، وقد حذر الله تعالى من شره فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}.
فإذا انتابك شيء من هذه الخواطر، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تسترسل معها.
واحرص على صحبة الأخيار، وملء فراغك بالنافع من أمر الدين والدنيا.
واحرص على الصوم حتى ييسر الله لك الزواج.
وأكثر من دعاء الله تعالى أن يزيل العوائق، وييسر لك زوجة صالحة تعفها، وتعفك، والأمر على الله يسير.
وإذا كنت فقيرًا، فقد تجد من يرضى باليسير ويزوجك، هذا بالإضافة إلى أن الزواج نفسه من أسباب الغنى، كما قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف.
والجنة هي دار الطيب، يدخلها الطيبون، ولا يكون فيها إلا ما هو طيب، قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {الزمر:73}، فلا يوجد في الجنة شيء من الخبث، ولا يشمله ما جاء في عموم النصوص من نحو قوله عز وجل: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ {ق:35}.
ولا يلزم من حل الخمر في الجنة، على صفتها التي ذكرها ربنا خالية مما هو من كدر خمر الدنيا، أو حل الحرير للرجال في الجنة، أن يقاس على ذلك كل ما هو محرم في الدنيا.
وما يتمناه المرء في الدنيا، قد لا يكون هو أمنيته في الآخرة، فهذه الدار تختلف عن تلك الدار جملة وتفصيلًا، فدع عنك التفكير في مثل هذا.
واصرف همتك إلى تحصيل ما يدخلك الجنة من تحقيق الإيمان بالله تعالى، وما يقتضيه ذلك من اعتقاد، وقول، وعمل.
وسل ربك دار كرامته التي أعد فيها لعباده الصالحين من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ولمزيد الفائدة نحيلك على الفتاوى: 12928، 1208، 10800.
والله أعلم.