عنوان الفتوى : درجة حديث: "مَن صلى الغَدَاةَ كان في ذِمَّةِ اللهِ حتى يُمْسِيَ"
روى مسلم في صحيحه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبحَ؛ فهو في ذمةِ اللهِ، فلا يطلبنَّكم اللهُ من ذمتِه بشيٍء، فيُدركُه، فيكبَّهُ في نارِ جهنمَ"، وهناك حديث آخر صححه العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن صلى الغَدَاةَ؛ كان في ذِمَّةِ اللهِ، حتى يُمْسِيَ"، فهل الحديث الثاني صحيح أم لا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن العمدة في هذا الباب هو حديث جندب -رضي الله عنه- الثابت في صحيح مسلم: من صلى صلاة الصبح؛ فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم.
وأما حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فيغني عنه حديث جندب -رضي الله عنه- فهو بنفس معناه، وقد روي بعدة ألفاظ مقاربة.
وقد جمع طرقه، وتكلم عليها الشيخ حسن حيدر في كتابه: نزهة الألباب في قول الترمذي: «وفي الباب»، فقال:
أما حديث ابن عمر: فرواه عنه سالم، ونافع، ومحارب بن دثار:
* أما رواية سالم:
فعند الطبراني في الكبير 12/ 311 و312، وابن شاهين في فضائل الأعمال ص 126: من طريقين مختلفتين إلى سالم:
الأولى: من طريق موسى بن أيوب النصيبي، ثنا عطاء بن مسلم الخفاف، عن الأعمش، قال: كان سالم بن عبد الله قاعدًا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف وأخذ الرجل، وتوجه إلى باب القصر، فنظر إليه أبوه، وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلًا، فرده مرتين، أو ثلاثًا، فلما خرج به، قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم، قال: فخذ أي الطريقين شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة، كان في ذمة الله حتى يمسي" فقال ابن عمر: "مكيس، إنما سميناك سالمًا لتسلم".
والحديث بهذا الإسناد ظاهر فيه الضعف: الأعمش أرسله، وحكى قصة يلزم منها سماعه من ابن عمر، والمتفق عليه عدم سماعه منه، بل لم يسمع ممن تأخر عنه، والمختار عدم سماعه من جميع الصحابة.
وأما الطريق الثانية: فمن طريق يحيى الحماني، ثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد، قال: حدثنا أبي، أن الحجاج أمر سالم بن عبد الله بقتل رجل، فقال له سالم: أصليت الصبح؟ فذكر نحو ما سبق، والحماني متروك. قال الحافظ في التقريب: حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث. والقصة الظاهر فيها أيضًا الإرسال، سعيد كأنه لم يدرك ذلك. ورواه ابن شاهين من وجه آخر، وذلك من طريق مهدي بن جعفر، قال: نا علي بن ثابت، عن الوازع به، لكن بلفظ: "من شهد الفجر في جماعة، فكأنما قام ليلته، ومن شهد العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف ليلة". الوازع قال: فيه البخاري: منكر الحديث.
تنبيه: زعم محققو المسند طبع مؤسسة الرسالة 10/ 137 بأن الطبراني رواه من طريق عطاء بن مسلم، عن الأعمش، عن سالم، عن ابن عمر، وليس الأمر كما قالوا: فإن الأعمش إنما حكى قصة وقعت -كما تقدم-، ولم يأت بصيغة الأداء -حسب ما زعم هؤلاء-.
* وأما رواية نافع عنه:
ففي مسند أحمد 10/ 137 طبع مؤسسة الرسالة، والبزار كما في زوائده 4/ 120:
من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران عنه به، ولفظه: قال: صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح؛ فهو في ذمة الله، فلا يخفرن الله أحد في ذمته؛ فإنه من يخفر ذمة الله، يكبه الله على وجهه في النار"، وابن لهيعة مشهور بالضعف، إلا أنه صرح بالسماع عند البزار. والراوي عنه عبد الله بن يوسف، وهو ممن قيل: إن روايته عنه محتملة مقبولة. وتقدم أن حكم أبو حاتم على حديث بالبطلان، وليس فيه إلا ابن لهيعة، مع وجدان الوصفين السابقين فيه، وذلك في الطهارة في باب النضح بعد الوضوء.
* وأما رواية محارب عنه:
ففي الأوسط للطبراني 5/ 254: من طريق أبي حنيفة، عن محارب بن دثار عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد، كان كعدل ليلة القدر". قال الطبراني: "لم يرو هذا عن ابن عمر إلا محارب بن دثار، ولا عن محارب إلا أبو حنيفة. تفرد به إسحاق الأزرق". اهـ. وأبو حنيفة قال فيه البخاري في التاريخ 8/ 81: "كان مرجئيًّا، سكتوا عنه، وعن رأيه، وعن حديثه". اهـ.
وقد صحح حديث ابن عمر أحمد شاكر في تحقيقه على المسند، وقال الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: صحيح لغيره.
والله أعلم.