عنوان الفتوى : الحدود في غير الشركِ والردة كفارات
في بادئ الأمر أود أن أشكر كل القائمين على هذا الموقع الرائع الذي يحقق الإفادة لنا جميعاً.وسؤالي هو: عن الملحد أو المرتد عن دين الله؛ فقد قرأت في أحد المواقع أن إقامة الحدِّ على الذنب الذي شرع فيه الحد؛ يكفِّر الذنب وما يترتب عليه من إثم. فهل إذا قُتِلَ الملحد في الدنيا لن يعذب في الآخرة طبقاً لما ورد أعلاه؟! أي: أن مثله مثل الزاني المجلود في الدنيا؟!ودمتم في أمان الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح عند أهل العلم أن الحدود كفارة لأهلها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 111207. ولكن هذا فيمن مات على الإسلام، وأما من مات كافرا -والعياذ بالله- فلا يغفر له ولا يخرج من النار، كما قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة : 72]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 116]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. متفق عليه. وانظر الفتويين: 48074، 224320.
وعلى هذا؛ يكون حد الردة مخصوصا من عموم تكفير الحدود للذنوب، قال زكريا الأَنصاري في منحة الباري بشرح صحيح البخاري عند حديث عبادة بن الصامت: من أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. قال: استُشكل بأنَّ قتل المرتدِّ على ارتدادِه لا يكون كفارةً، وأجيب بأن الحديث مخصوصٌ بقولهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116]، وحاصل ما ذهبَ إليه أكثرُ الفقهاءِ: أنَّ الحدودَ في غير الشركِ كفارات. اهـ.
ومن أهل العلم من نحا في ذلك منحى آخر، وهو أن قتل المرتد ليس من الحدود، وإنما هو عقوبة، قال الشيخ ابن عثيمين: الحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه، بل يقام بكل حال، أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود حد الردة؛ لأن قتل المرتد ليس من الحدود؛ لأنه إذا تاب انتفى عنه القتل، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها وليس بكافر، والقتل بالردة ليس بكفارة وصاحبه كافر لا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين. اهـ.
ولكلٍّ من القولين وجهته! ويقوي القول الأول أن حديث عبادة ذكر فيه الشرك، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ لمسلم: ومن أتى منكم حدا، فأقيم عليه، فهو كفارته.
قال القسطلاني في إرشاد الساري: و (شيئًا) نكرة تفيد العموم، لأنها في سياق الشرط، وقد صرح ابن الحاجب بأنه كالنفي في إفادته، وحينئذ فيشمل إصابة الشرك وغيره، واستشكل بأن المرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون قتله كفّارة. وأجيب بأن عموم الحديث مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]. اهـ.
وعلى أية حال: فجواب سؤال السائل حاصل على كلا القولين.
والله أعلم.