عنوان الفتوى : الموقف من جرائم الخطف والسطو وانتهاك الحرمات في بلاد لا تطبق حكم الله
ما حكم الشرع في من يختطف الأطفال ويغتصبهم ويقتلهم، وقد كثرت هذه الظاهرة في البلد الذي لا يوجد القصاص في أحكامه القانونية ولا قطع يد السارق؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجرائم تعد من الاعتداء على الأنفس والأعراض، وكل هذا محرم، فإن الله سبحانه وتعالى يقول عن القتل في كتابه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}.
وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقاً ـ أي خفيف الظهر سريع السير ـ صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلّح ـ أي أعيا وأنقطع.
وأما فعل اللواط: فهو كبيرة من الكبائر التي حرمها الله تعالى، وبين قبحها في القرآن، وذم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلها، وأجمعت الأمة على تحريمها كذلك، وقد سبق بيان ذلك مع عقوبة فاعله في الفتويين رقم: 1869 ورقم: 3867.
ولمجلس هيئة كبار العلماء قرار في شأن هذه الجرائم، جاء فيه:
أـ إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار، كما هو الراجح من آراء العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه: رُفِعَ إلي قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج.
ب ـ يرى المجلس في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ـ أن أو للتخيير، كما هو الظاهر من الآية الكريمة، وقول الأكثرين من المحققين من أهل العلم رحمهم الله.
ج ـ يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام ـ القضاة ـ إثبات نوع الجريمة والحكم فيها، فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فساداً فهم مخيرون في الحكم فيها بالقتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض، بناءً على اجتهادهم، مراعين واقع المجرم وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين؛ إلا إذا كان المحارب قد قتل فإنه يتعين قتله حتماً كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعاً، وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة: لا نزاع فيه ـ انتهى من بحث لهيئة كبار العلماء بعنوان: الحكم في السطو والاختطاف والمسكرات.
وإذا وقعت هذه الجرائم ببلد لا تطبق فيه الحدود الشرعية، فلا يجوز لأفراد الناس ولا للجماعات التي لم تكلفها الدولة أن يطبقوا الحدود بأنفسهم، قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام، وروى البيهقي عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى قولهم من أهل المدينة كانوا يقولون لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان. انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضا: ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم، أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود، لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة. اهـ.
هذا؛ وننبه إلى أنه لا يسوغ للمجتمع المسلم في حال تعطيل السلطات الرسمية لتطبيق الحدود، ولا يشرع له: إفساح المجال للجناة يفسدون ويقتلون من شاءوا، بل يتعين على جماعة المسلمين البحث عن وسيلة تردع الظلمة، فيتعين السعي بقدر الطاقة في منع حصول المنكر وتغييره والترهيب منه، فإن النهي عن المنكر وتغييره بقدر الطاقة مسؤولية كل من يراه ويقدر على تغييره، فعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.
وعلى طلاب العلم وعقلاء المجتمع ووجهائه أن يسعوا في الحد من هذه الجرائم وإيقافها وأن ينشطوا في توعية المجتمعات وتبصيرها بمسائل الدين وخطر المعاصي، وأهمية التحصن بالتعوذات المأثورة والتحصينات الربانية حتى يسلموا من الوقوع في الظلم، وعليهم أن يتصلوا بالسلطات ويبينوا لهم أهمية وضرورة الأخذ على أيدي الظلمة ونصر المظلومين وإقامة الحدود الشرعية وفائدتها في مصالح البلاد والعباد الدنيوية والأخروية، وخطر انتشار الظلم والمعاصي من غير نكير ولا رادع، وأن العقوبات الربانية إذا نزلت بسبب شيوع الفجور تعم العاصي وغيره، فقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {الأنفال:25}.
قال ابن كثير: يحذر تعالى عباده المؤمنين فتنة ـ أي اختبارا ومحنة ـ يعم بها المسيء وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب، بل يعمهما حيث لم تدفع وترفع، ثم نقل عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب ـ قال: وهذا تفسير حسن جدا. انتهـى.
وعن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ـ وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها ـ قالت: فقلت: يا رسول الله؛ أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. متفق عليه.
والله أعلم.