عنوان الفتوى : حكم من تزوج امرأة دون موافقة وليها وطلقها ثلاثا ويريد الرجوع إليها

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

شيوخنا الأفاضل: أنا رجل جزائري، أعيش بفرنسا. تزوجت بفتاة مسلمة من بلد غير بلدي، تزوجتها من غير موافقة وليها؛ لأنهم رفضوا لأني جزائري. فأخبرت والدي بهذا الأمر، مع العلم بأن والدي إمام بولاية سطيف، وقد أفتى لي بأني أستطيع الزواج بهذه الفتاة من غير موافقة ولّيها؛ لأنها حرة غير مملوكة. قال لي: الحرة تزوج نفسها، فأتيت أنا برجل كإمام وشاهدين، فقرأ لنا الفاتحة، وزوجنا، وعقد زواجنا ذك الرجل؛ لأنه قال لي أنا مثل الإمام، فتم زواجنا. وأخبرت والدي بذلك، فقال لي زواجكم صحيح. وبعد عام حدث خلاف بيني وبين زوجتي؛ فطلقتها، وتلفظت بالطلاق ثلاث مرات، ثم ندمت. فجئت بذاك الرجل نفسه، وشاهدين؛ فعقد لنا مرة أخرى. وبعد 7 سنوات، حدث خلاف آخر، فطلقتها ثانية؛ فندمت بعدها؛ فراجعتها من غير أن آتي بإمام؛ لأني سمعت فتوى أني أستطيع مراجعتها من غير إمام وشهود. وبعد 7 سنوات أخرى، حدثت خلافات أخرى؛ فطلقتها ثالثة. وكلما طلقتها أتلفظ بالطلاق ثلاث مرات. وأعلمكم بأننا عقدنا هنا بالبلدية بفرنسا في عامنا الأول من زواجنا. نحن الآن نادمان؛ لأننا نحب بعضنا البعض، ونريد أن نجد حلا ولم نجده بعد. سؤالي لكم شيخنا الفاضل: هل زواجنا صحيح وطلاقنا وقع، أم لا؟ لأن أبي أفتى لي بأن الزواج صحيح، والطلاق قد وقع، ولا تحل لي حتى تنكح زوجا غيري. وأعلمكم بأن أبا زوجتي، لم يوافق على زواجنا في الأول، ولكنه وافق بعد 8 سنوات. أفيدونا بارك الله فيكم شيوخنا الأفاضل، وجزاكم الله خيرا على مجهوداتكم الجبارة التي تقدمونها لدين الله. وشكرا.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فما دمت طلقت زوجتك ثلاث تطليقات، فقد بانت منك بينونة كبرى، وكونك عقدت عليها بغير ولي، تقليداً لمن يبيح ذلك من أهل العلم، لا يسوّغ لك الرجوع إليها قبل أن تتزوج غيرك -زواج رغبة، لا زواج تحليل- ويدخل بها الزوج الجديد، ثم يطلقها، أو يموت عنها، وتنقضي عدتها منه.
جاء في مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه أبي الفضل صالح: وسألته عن امرأة تزوجت بغير إذن وليها، فطلقها هذا الذي تزوج بها ثلاثا، ثم أجاز الولي النكاح. هل تحل له من قبل أن تنكح زوجا غيره؛ لأن هذا النكاح الأول كان فاسدا؟ قال: لا ترجع إليه إلا بزوج؛ لأن هذا النكاح الذي تزوجها هذا به، إن جاءت منه بولد كان الولد لاحقا به؛ لأن هذا نكاح شبهة، فلا تحل له إلا أن تنكح زوجا غيره. اهـ.

وكيف يسوغ لمن اعتقد صحة النكاح، أن يرجع ويبني على بطلانه حكما يوافق رغبته؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْوَلِيِّ هَلْ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، لِيَجْعَلَ فِسْقَ الْوَلِيِّ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ، بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ. وَإِذَا فَرَّعَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِلَّ الْحَلَالَ مَنْ يُحَرِّمُ الْحَرَامَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ حَلَالًا حَرَامًا، وَهَذَا الزَّوْجُ كَانَ يَسْتَحِلُّ وَطْأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَلَوْ مَاتَتْ لَوَرِثَهَا، فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى فَسَادِهِ؟ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي صِحَّتِهِ، فَاسِدًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي فَسَادِهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيْءِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ.

وَهَؤُلَاءِ الْمُطَلِّقُونَ لَا يُفَكِّرُونَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، لَا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ، يَكُونُونَ فِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ، وَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ؛ بِحَسَبِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ. اهـ.
 والله أعلم.