عنوان الفتوى : الردة لا تحبط العمل السابق بمجرد وقوعها
هل إذا كفر المسلم بسبب الوقوع فى أي ناقض من نواقض الإسلام، فهل عندما يعود إلى الإسلام بقول الشهادتين يعتبر له ما سلف ويبدأ الملكان بحساب الحسنات والذنوب من جديد، كأنه طفل بلغ فأصبح مكلفا يحاسب؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد اختلف العلماء في من اسلم ثم ارتد ثم أسلم هل تحبط الردة عمله السابق بمجرد وقوع الردة، أم أن ذلك مقيد بموته على الردة، فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه كما قال النووي في المجموع إلى إحباطه بمجرد الردة، وذهب الشافعية إلى أن إحباط العمل مقيد بموته على الردة لقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]. ودليل الأولين قول الله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5]. ولا شك أن آخر هذه الآية يرد على الحنفية ومن وافقهم في ما ذهبوا إليه، فإنه يدل على أن هذه الآية في من مات على الكفر، لأنه قال سبحانه في آخرها وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. ومن مات على الإسلام ليس ذلك شأنه، والمشهور عند الشافعية أن ثواب ما عمله قبل الردة حابط، وإن كان العمل غير حابط أي لا يطالب بإعادة ما فعله قبل الردة. وأما فعله قبل الردة من الذنوب والسيئات فإنه لا يزال عليه على الراجح، ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما قبله. رواه مسلم. يقول ابن قدامة رحمه الله في المغني: وأما قوله الإسلام يجب ما قبله، فالمراد به ما فعله في كفره، لأنه لو أراد ما قبل ردته أفضى إلى كون الردة، التي هي أعظم الذنوب مكفرة للذنوب، وأن من كثرت ذنوبه ولزمته حدود يكفر ثم يسلم فتكفَّر ذنوبه وتسقط حدوده. انتهى. والله أعلم.