عنوان الفتوى : وقف أرض على أن تكون الغلة لمن جاورها من الواقفين وللمطلقات من الورثة
إذا أراد جميع ورثة المتوفى أن يقوموا بوقف قطعة أرض زراعية - ورثوها من والدهم - تكون صدقة جارية على والدهم المتوفى، بشرط أن تكون فوائد هذا الوقف لمن يسكن منهم بجوار هذه الأرض الموقوفة، ويكون أيضًا هذا الوقف للأرامل في حال وجود مطلقات مستقبلًا من البنات -لا سمح الله- فما حكم الشرع في مثل هذا الوقف، ونحن من أوقفنا، والمستفيدون من هذا الوقف؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فاشتراط أن تكون غلة الأرض لبعض الورثة الواقفين من سكن منهم بجوارها، وللمطلقة من الوارثات هو في الحقيقة داخل في وقف الإنسان على نفسه؛ لأنه ليس وقفًا عامًّا على من جاور الأرض، وإنما على من جاورها منهم، ولا وقفًا عامًّا على المطلقات، بل من الوارثات منهن، فهو وقف على النفس، وقد اختلف الفقهاء في صحة الوقف على النفس على قولين: المنع، والجواز، جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ وَقْفِ الإْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الأْوَّل: عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الإْنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ؛ لأِنَّهُ حَاصِلٌ، وَتَحْصِيل الْحَاصِل مُحَالٌ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ، وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ....
وَالْقَوْل الثَّانِي: هُوَ صِحَّةُ وَقْفِ الإْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأْصَحِّ، قَالُوا: لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّيْءِ وَقْفًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِلْكًا، وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ.. اهــ مختصرا.
فأنت ترى أنه لا يصح هذا الوقف على قول جمهور العلماء، ولا شك أن الخروج من الخلاف مستحب، فلا توقفوا وقفًا ربما لا يكون صحيحًا، ولا يترتب عليه ثواب، فننصحكم بالخروج من هذا الخلاف، وأن توقفوا الأرض الزراعية وقفًا لا إشكال فيه، ولكم أن تجعلوا حينئذ ثوابه لوالدكم.
والله تعالى أعلم.