عنوان الفتوى : دعاء الاستفتاح بين الوجوب والاستحباب
شيوخي الكرام: هناك مسألة أتعجب منها، وهي أن أكثر أهل العلم قالوا إن دعاء الاستفتاح سنة، حتى إن الإمام ابن باز قال إن من ترك دعاء الاستفتاح وصلى بدونه، فصلاته صحيحة عند جميع العلماء، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر به في حديث المسيء صلاته، وقال له: لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يكبر ويحمد الله عز وجل، ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن. وها هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس، يعني أنه أمر المسيء صلاته أن يقول به. والقاعدة الأصولية تقول إن الأوامر تدل على الوجوب، ما لم يرد دليل على خلاف ذلك. أم إن هذا الحديث- شيوخي الكرام- يحمل على شرط كمال، وليس على شرط صحة؟ يعني لو أن الإنسان ترك دعاء الاستفتاح تكون صلاة ناقصة وليست بكاملة، ولكنها صحيحة ولا يأثم بذلك، ودعاء الاستفتاح ليس بواجب؟ فكيف يزال هذا الإشكال -بارك الله فيكم- وما هو قول العلماء في هذا؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على كلام الشيخ ابن باز الذي ذكرت، ولكن المعروف لدينا هو أن دعاء الاستفتاح مما اختلف أهل العلم في حكمه؛ فقال أكثرهم بأنه سنة، وليس بواجب، -كما أشرت- وقال بعضهم بوجوبه، وقال بعضهم بغير ذلك.
جاء في الموسوعة الفقهية: قال جمهور الفقهاء: الاستفتاح سنة؛ لما ورد في الأحاديث... وذهبت طائفة من أصحاب الإمام أحمد إلى وجوب الذكر الذي هو ثناء، كالاستفتاح بنحو: سبحانك اللهم وبحمدك... وخالف في ذلك مالك".
وفسر القائلون بعدم الوجوب: نفي التمام الوارد في الحديث الذي أشرت إليه: بأنه نفي للكمال، وليس نفيا للصحة، وأن قوله صلى الله عليه وسلم "ويحمد الله عز وجل..." المراد به قراءة الفاتحة.
جاء في المنهل شرح سنن أبي داود لمحمود السبكي: (قوله ويحمد الله الخ) مراده يقرأ الفاتحة... (قوله ويقرأ بما شاء من القرآن)... أي بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين. اهـ.
وفسر القائلون بالوجوب: نفي التمام بأنه نفي للصحة، وأن قوله صلى الله عليه وسلم "ويحمده ويثني عليه" بدعاء الاستفتاح.
قال الصنعاني في السبل: "وَيَحْمَدُهُ: بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ، يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَحْمَدُهُ غَيْرُ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ مُطْلَقِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. اهـ.
وعلى كل حال، فالمسألة من مسائل الفقه الفرعية التي كثيرا ما يختلف فيها أهل الاجتهاد؛ فلا داعي للتعجب... وانظر الفتوى رقم: 6787.
والحديث المشار إليه رواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح كما قال الألباني -رحمه الله تعالى- وغيره.
والله أعلم.