عنوان الفتوى : هبة الأرض لمقبرة القرية هل يصيرها وقفًا؟
رجل اشترى أرضًا من شخص آخر، وأشهد على البيع أبناءه، وذكر الشاري أنه وهب القطعة الأرضية لمقبرة القرية، ولم يوثق البيع، ولا الهبة، وبعد أكثر من 25 سنة توفي الشاري، فتراجع البائع عن البيع، وقرر بيعها من جديد لطرف ثالث، فاعترض الورثة، إلا أن البائع قرر أن يعطيهم نصف ثمن القطعة (بالثمن الحالي)؛ حتى لا يقع عليهم الضرر في حال لو أرجع إليهم ثمنها الذي أخذه من أبيهم، فهل هذا جائز شرعًا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحقيقة أن هذه المسألة من مسائل القضاء، لا الفتوى؛ لأن فيها دعوى وخصومة، ويحتاج الحكم فيها لسماع جميع أطرافها، والنظر في حججهم، هذا مع تطاول المدة والحاجة إلى التوثيق، فينبغي عرضها على القضاء الشرعي أو ما يقوم مقامه.
وعلى أية حال؛ فإننا ننبه هنا على مسألتين:
الأولى: أن البيع إذا تم بالفعل، فملكية الأرض تنتقل إلى المشتري، فإن مات وهي على ملكه، انتقلت إلى ورثته من كانوا، وليس للبائع الأول حق فيها ولا علاقة بها.
والثانية: أن هبة المشتري الأرض لمقبرة القرية، يحتمل أن يكون وقفًا، ويحتمل عدمه؛ لأن لفظ الهبة ليس صريحًا في الوقف، فيحتاج إلى نية.
ولكن إن دفن فيها أحد بالفعل، فالظاهر أنها تكون وقفًا بذلك؛ وعندئذ؛ فإنها لا تباع، ولا تورث، قال ابن المنذر في مراتب الإجماع: واتفقوا على جواز إيقاف أرض لبناء مسجد، أو لعمل مقبرة، واتفقوا أنه إن لم يرجع موقفها فيها حتى دفن فيها بأمره، وبنى المسجد وصلى فيه بأمره، فلا رجوع له فيها بعد ذلك أبدًا. واختلفوا في إيقاف كل شيء من الأشياء كلها غير ما ذكرنا. اهـ.
وقال الكرمي في دليل الطالب: الوقف يحصل بأحد أمرين: بالفعل مع دليل يدل عليه، كأن يبني بنيانًا على هيئة المسجد، ويأذن إذنًا عامًّا بالصلاة فيه، أو يجعل أرضه مقبرة، ويأذن إذنًا عامًّا بالدفن فيها. بالقول، وله صريح، وكناية. فصريحه: وقفت، وحبست، وسبلت. وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت، فلا بد فيها من نية الوقف. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: كما يصح الوقف باللفظ، فإنه يقوم مقام اللفظ ... الفعل: كمن يبني مسجدًا، أو رباطًا، أو مدرسة، ويخلي بين الناس وبين ما أعده من ذلك، فإنه يصير وقفًا، ولو لم يتلفظ، وكمن يجعل أرضه مقبرة، ويأذن للناس إذنًا عامًّا بالدفن فيها، وهذا عند الحنفية، والمالكية، والحنابلة في المذهب. اهـ.
والله أعلم.